النظام الإيراني يسجل اعترافات قسرية للمعارضين ويبثها على التلفزيون

النظام الإيراني يسجل اعترافات قسرية للمعارضين ويبثها على التلفزيون


19/07/2020

لم يكن ظهور الصحفي الإيراني المعارض، المحكوم عليه بالإعدام، روح الله زم، عبر التلفزيون الرسمي، قبل أيام قليلة، وقد جرى استجوابه القسري بهذه الصورة المخالفة للقيم الحقوقية، والتقاليد القانونية، سوى اللحظة القصوى التي كشفت، بصورة علنية، حجم التجاوزات التي تلحق بالصحفيين والنشطاء السياسيين في صفوف المعارضة الإيرانية، خاصة أنّها ليست المرة الأولى التي يحدث فيها استجواب المعتقلين السياسيين بطهران، على هذا النحو، الذي يرقى إلى اعتباره إحدى وسائل التعذيب بحق المواطنين، كما أنّ مشهد الصحفي الإيراني المعارض وهو يخضع لـ "استجواب" المذيع الإيراني، بحسب وصف حقوقيين، بعث، مجدداً، بكلّ الأصوات التي حاولت فضح الممارسات العدوانية ضدّه، طوال فترة احتجازه، وظلت تهدّد حياته.

ماذا تواجه المعارضة الإيرانية؟

يعدّ ظهور الصحفي الإيراني المعارض عبر التلفزيون، بهدف نقل اعترافاته أو ندمه، وتراجعه عن الاتهامات الموجهة ضدّه من الجهات القضائية، في صورة يبدو من خلالها ضعيفاً ومشوشاً بعد سلسلة من الضغوط النفسية والجسدية المرهقة، إحدى وسائل النظام لتشكيل صور إكراهية لجهة تخويف المعارضة وبثّ الرعب فيها، سواء في الداخل أو الخارج، لا سيما أنّ روح الله زم قد تعرّض للاختطاف من العراق، بواسطة عناصر المخابرات الإيرانية، وميليشيا الحرس الثوري، أثناء تواجده في المطار بعد عودته من باريس، ومن ثم نقله إلى طهران.

وقد دانت الخارجية الفرنسية قيام الحرس الثوري باعتقال روح الله زم، كما طالبت السلطات في إيران بالإفراج عنه، وكذا الباحث الفرنسي، رولان مارشال، والمعتقل في طهران مع زميلته الباحثة الإيرانية الفرنسية، فريبا عادلخاه، بتهمة التجسس، منذ حزيران (يونيو) العام الماضي.

الباحث المتخصص في الشأن الإيراني محمد الحسيني لـ"حفريات": من غير الممكن قراءة ظهور روح الله زم، على شاشة التلفزيون الإيراني، إلا في إطار السياسة القمعية الممنهجة للنظام

وصفت منظمة "مراسلون بلا حدود" بثّ المقابلة التلفزيونية مع الصحفي الإيراني المعارض، بأنّه أحد الدلائل القوية على تعرضه لـ "التعذيب"، حيث قالت إنّ "الاستجواب التلفزيوني هو اعتراف واضح من النظام الإيراني بتعذيب السجناء، والتعذيب مثال واضح على الجرائم ضدّ الإنسانية".

سجل النظام الإيراني الحقوقي

وكانت المنظمة الحقوقية قد أصدرت تقريراً، في شباط (فبراير) الماضي، إبان حضور الصحفي الإيراني المعارض جلسات التحقيق، أشارت فيه إلى ملاحظتَين أساسيتَين:

 الأولى: سجل القاضي الذي يباشر التحقيق في القضية؛ حيث يحفل بتجاوزات عديدة في ملف حقوق الإنسان، وقد وصفته بأنّه "من أسوأ جلادي الصحفيين"، والثانية: حالة التعب الذي ظهر عليها زم أثناء التحقيق؛ حيث قالت: "أمن وحياة روح الله زم مهددة في ظلّ هذه المحاكمة غير العادلة".

اقرأ أيضاً: الإرياني: الشعب اليمني يعاني من طموحات النظام الإيراني

وأضافت: "نحن نحثّ المقررة الخاصة للأمم المتحدة، آغنيس كالامار، ورئيس فريق العمل المختص بالاحتجاز التعسفي، سونغ فيل هونغ، وجاويد رحمان، المقرّر الخاص للأمم المتحدة، المعني بحالة حقوق الإنسان في إيران، نحثهم جميعاً على التدخل الفوري في هذه القضية".

تعرض زم، بحسب الإعلام الرسمي في إيران، إلى جلسة غير علنية؛ حيث وجِّهت إليه مجموعة اتهامات، بلغت نحو 17، ومن بينها: " التحريض القوي للقوات المسلحة والأشخاص الذين يخدمون فيها، بطريقة أو بأخرى، على التمرد أو الفرار أو الاستسلام، أو عدم تنفیذ واجباتهم العسكرية".

اقرأ أيضاً: ماذا يحدث في إيران؟ موجة قمع جديدة

بيد أنّه، في اللقاء التلفزيوني الذي تمّ تسجيله في أحد مراكز الاعتقال التابعة لاستخبارات الحرس الثوري، ظهر زم في لحظات وهو معصوب العينين، كما قام بدور المذيع، علي رضواني، المعروف بقربه من النظام، تحديداً الحرس الثوري، حيث سبق أن لاحقته اتهامات بتعاونه مع عناصر وأفراد الحرس، للقيام بتسجيل اعترافات قسرية من المعارضين السياسيين الذين يقبعون في سجونهم، وهو ما حدث مع قيامه باستجواب المعارضة الإيرانية، مريم ممبيتي.

إعلاميون في خدمة الولي الفقيه

ثمة اتهامات عديدة عمد المذيع الإيراني إلى توجيهها للصحفي المعارض، من بينها: "إثارة القلاقل، وتحريض الناس على النزول إلى الشوارع، والخيانة، والتعاون مع أجهزة الأمن في دول أخرى، وتكوين الخلايا في الداخل والخارج"، الأمر الذي وضع الأول أمام موجة انتقادات مهنية عنيفة؛ بسبب عدم سؤال الأخير عن الادّعاءات التي طاولت ظروف وملابسات احتجازه، وعدم عدالة الإجراءات القانونية التي تتصل بالمحاكمة، وكذا وضعه في حبس انفرادي، ومنع التواصل مع ذويه.

مراسلون بلا حدود: بثّ المقابلة التلفزيونية مع الصحفي الإيراني المعارض، أحد الدلائل القوية على تعرضه للتعذيب، والاستجواب التلفزيوني هو اعتراف واضح من النظام الإيراني بتعذيب السجناء

لكنّ الصحفي الإيراني المعارض، أجاب عن الاتهامات في المقابلة بأنّ "هدفنا الأساسي في قناة "آمد نيوز" هو مكافحة الفساد الاقتصادي"، ونفى اتهام المذيع له بـ "خيانة الشعب"، حيث قال: "لم أخن الشعب وارتكبت خطأ إعلامياً"، كما اعترف بأنّه تراجع عن فكرة أنّ "نظاماً آخر يجب أن يحلّ محلّ هذا النظام".

وإلى ذلك، كتب محمد علي زم، قبل نحو أسبوع من بثّ اللقاء، عبر حسابه على تطبيق "إنستغرام"، إلى رئيس السلطة القضائية، إبراهيم رئيسي، أنّ المحاكمة التي يتعرض لها ابنه "غير عادلة" و"مخالفة للعدالة الإسلامية"، حسبما قال.

قائمة طويلة من المعارضين

كما قالت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، في نسختها الفارسية؛ إنّ روح الله زم ليس المعارض السياسي الإيراني الأول الذي يجري اختطافه بواسطة عناصر أجهزة الأمن، بل هناك قائمة طويلة من المعارضين المؤثرين الذي اختطفوا، بل وقتلوا سابقاً، إضافة إلى قيام التلفزيون الرسمي في إيران ببثّ أكثر من 800 اعتراف قسري، خلال السنوات العشر الماضية، بهدف ترهيب المعارضين داخل البلاد.

وطالبت منظمة "العدالة من أجل إيران"، مقرّها لندن، الاتحاد الدولي لجمعيات حقوق الإنسان والمجتمع الدولي بالضغط على النظام الإيراني لوقف استخدام الاعترافات القسرية.

وفي حديثه لـ "حفريات"، يقول الباحث المتخصص في الشأن الإيراني، محمد الحسيني: "من غير الممكن قراءة ظهور الصحفي الإيراني، روح الله زم، على شاشة التلفزيون الإيراني في مقابلة مسجلة إلا في إطار السياسة الممنهجة التي يتبعها النظام في تعامله مع كلّ من يختلف معه، أو ينقده، أو يعارضه؛ حيث دأبت الأجهزة الإيرانية منذ أعوام على إجبار المئات على الظهور في التلفزيون الرسمي، والإدلاء باعترافات قسرية".

اقرأ أيضاً: مليشيات إيران بالعراق.. هل يفلح الكاظمي في لجمها؟

وأردف: "هذه السياسة توضح لنا العقلية التي ما تزال تحكم إيران؛ حيث لا ضمانات لحماية حقوق الأفراد، بل على العكس؛ فأجهزة النظام تمارس التعذيب الممنهج ضدّ المعتقلين بهدف كسر إرادتهم وإجبارهم على الإدلاء بمعلومات واعترافات غير حقيقة، لتستخدمها الآلة الإعلامية الإيرانية فيما بعد كأدوات في حربها ضدّ المحتجين والمعارضين، وأصحاب الرأي الحرّ، داخل البلاد وخارجها".

اقرأ أيضاً: إيران... ما قصة الحرائق المتتابعة والانفجارات؟

وتظهر تفاصيل اللقاء وكواليسه، بكل وضوح، أنّ روح الله زم قد تعرض للتعذيب والإجبار على الإدلاء بمعلومات غير صحيحة، بحسب الحسيني، الأمر الذي يجعل هذا اللقاء جزءاً من جريمة اختطافه ومحاكمته غير العادلة، التي انتهت بالحكم عليه بالإعدام.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية