النار التركية تأكل نفسها في سوريا... ما القصة؟

النار التركية تأكل نفسها في سوريا... ما القصة؟


01/03/2021

في الوقت الذي تستعد فيه تركيا لمواجهة لن تكون سهلة مع الولايات المتحدة الأمريكية في الساحة السورية، متمثلة في عودة ثقل الأخيرة إلى الساحة، لتخسر الأولى مساحات من الحركة والسيطرة أتاحها انسحاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، أطلقت تركيا معركة داخلية لتمحيص العناصر الموالية لها.

وتتمثل تلك المعركة في معاقبة فصائل تمرّدت على نهجها خلال الشهور الماضية في نقل المقاتلين السوريين إلى ليبيا تارة وإلى أذربيجان تارة أخرى، ليتحوّل معها المقاتلون السوريون إلى أدوات سهلة في أيدي تركيا، وفي مقدّمتها "الجبهة الشامية".

أصدرت الجبهة الشامية تحذيراً إلى مقاتليها يحظر دخول أيّ عنصر من عناصر الجيش الوطني إلى مناطق نفوذها، في الوقت الذي أعلنت فيه حالة الاستنفار العام بين مقاتليها

وتتمثل تلك المعركة في فرض سيطرة قوات التركمان على الفصائل العربية، وتُعدّ قوات التركمان الفصائل الأكثر ولاء لتركيا، التي تستخدمهم في عمليات التغيير الديموغرافي الذي تقوم به تركيا في سوريا على حساب الأكراد.

وتنذر تلك المعركة التي بدأت قبل أيام بإعلان الجيش الوطني السوري، الموالي لأنقرة، ببدء حملة ضد الفاسدين والإرهابيين في مناطق نفوذهم في الشمال السوري، باقتتال وشيك ينشب بين الفصائل الموالية لأنقرة، خصوصاً بعدما تبنّت بعض الفصائل القرار، وفي مقدمتها فرق الحمزة والسلطان شاه والسلطان مراد، وهم من التركمان.

ومن جانبها، أصدرت الجبهة الشامية تحذيراً، بحسب وسائل إعلام سورية، إلى مقاتليها يحظر دخول أيّ عنصر من عناصر الجيش الوطني إلى مناطق نفوذها، في الوقت الذي أعلنت فيه حالة الاستنفار العام بين مقاتليها.

وتصبّ تلك التغيرات في صالح الأكراد، فهي تعني تراجع تركيا في معركتها معهم مؤقتاً، ما يمنح القوات الكردية فرصة لإعادة التموضع، بعد تصعيد من قبل أنقرة أفقدهم التوازن على مدار أسابيع.

وتتيح تلك التغيرات أيضاً فرصة للولايات المتحدة الأمريكية للعودة إلى المشهد السوري على نحو أوسع.

اقرأ أيضاً: تركيا تواصل انتهاكاتها في الشمال السوري.. وهذه آخرها

وفيما يتعلق بسبب الحملة التي تشنّها القوات الموالية لتركيا على الجبهة الشامية، والأخيرة أيضاً من ضمن الفصائل الموالية لأنقرة، هو التمرّد الذي اتّسمت به الجبهة منذ شهور، فقد تداولت وسائل الإعلام في نيسان (إبريل) الماضي تعميماً أصدرته الجبهة إلى مقاتليها تحذّرهم فيه من الذهاب إلى جبهة القتال الليبية، وأكدت ألّا تهاون مع أيّ مقاتل ينتمي للجبهة يذهب إلى ليبيا.

واعتمدت تركيا بشكل رئيسي على المقاتلين السوريين في الساحة الليبية، فقد أرسلت، بحسب إحصائيات سورية ودولية، آلاف المقاتلين المحسوبين على الفصائل السورية الموالية لها لدعم حكومة الوفاق، مقابل رواتب تقدر بـ1000 دولار شهرياً.

تصبّ تلك التغيرات في صالح الأكراد، فهي تعني تراجع تركيا في معركتها معهم مؤقتاً، ما يمنح القوات الكردية فرصة لإعادة التموضع

ولم يقتصر توظيف تركيا للسوريين على الجبهة الليبية، فقد أرسلتهم إلى أذربيجان، لدعم الجيش الأذري في صراعه مع أرمينيا على إقليم قره باغ.

وتُعدّ "الجبهة الشامية" واحدة من أقدم الفصائل المسلحة في سوريا، تأسست في العام 2014، من خلال اندماج 5 فصائل، وهي: "الجبهة الإسلامية (أحرار الشام ـ لواء التوحيد)، جيش المجاهدين، تجمُّع فاستقم كما أمرت، حركة نور الدين زنكي، جبهة الأصالة".

بداية الأزمة

انفجرت الأزمة علنياً مع إصدار وزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة يوم الجمعة الماضي بياناً عن "استكمال الاستعدادات التي اتخذها الجيش الوطني السوري من أجل تحسين الوضع الأمني في المناطق المحررة، وأنّ الجيش الوطني بدأ عملية أمنية وعسكرية ضد الخلايا الإرهابية وعصابات الجريمة وأذناب التنظيمات الإرهابية ضمن المناطق المحررة"، بحسب ما أورده موقع "النهار العربي".

وبرغم ادّعاء البيان أنّ القرار اتُخذ بناءً على مقرّرات الاجتماع الذي عقد بتاريخ 2 شباط (فبراير) بين الحكومة المؤقتة وقادة فيالق الجيش الوطني، بحسب المصدر ذاته، فقد وصفته "الجبهة الشامية" بـ"المفاجئ"، واتهمت الحملة التي أعلن عنها بأنها "تستهدف شخصيات ومكوّنات عسكرية ثورية"، وذلك في بيان صدر عنها يوم السبت.

وبعدما ذكر بيان الجبهة أنّ "تحرّكات الأرتال العسكرية التي قيل إنها تستهدف هذه الغايات (محاربة الفساد والإرهاب) كانت وجهتها نقاط رباط الفيلق الثالث وعناصره، من دون أي تنسيق مع قيادة الفيلق، ومن دون أي قوائم أو تهم واضحة"، وجّه تحذيراً شديد اللهجة بأنه يرجو "ألّا نحتاج للانجرار إلى مواجهة عسكرية لن تعجب إخوتنا".

اقرأ أيضاً: ازدواجية تركية في الشمال السوري بين التهجير والخدمات... كيف؟

ومن جانبه، أصدر قائد "الجبهة الشامية" وقائد الفيلق الثالث، أبو أحمد نور،  تعميماً يقضي بمنع دخول أيّ قوة عسكرية تابعة لفصائل "السلطان مراد" و"فرقة الحمزة" و"لواء سليمان شاه" إلى القطاعات التي ينتشر فيها الفيلق الثالث، وجاء ذلك بعد ساعات من الاستنفار والتحشيد المتبادل بين هذه الفصائل.

ومن شأن هذه الخلافات في مضامين البيانات والتعاميم، بحسب "النهار العربي"، أن تكشف عن الواقع التنظيمي لما يُسمّى "الجيش الوطني" المدعوم من تركيا، وعدم قدرة الأخيرة على مأسسته وفق ضوابط وقواعد تنظيم الجيوش المتعارف عليها عالمياً. وقد دفع ذلك بعض الخبراء العسكريين إلى الحديث عن النزعات العرقية والمناطقية التي ما تزال تتحكّم في مفاصل الجيش الوطني، وعن أنّ الاندماج الذي حصل بين عشرات الفصائل منذ ما يقارب 3 أعوام لم يكن كافياً للتغطية على ما يسود بين هذه الفصائل من حالات خلاف وصراع حول مكاسب مادية بحتة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية