اللاجئون والابتزاز التركي

اللاجئون والابتزاز التركي


02/03/2020

عائشة المري

تحاول تركيا دفع الدول الأوروبية إلى الاصطفاف معها حال اندلاع مواجهة عسكرية مباشرة بينها وبين روسيا على الأراضي السورية بعد مقتل 33 جندياً تركيا هناك، وهي تلعب على مخاوف الأوروبيين من وصول موجات جديدة من اللاجئين إلى أراضيهم بعد أن نفذ الرئيس التركي (أردوغان) تهديداته السابقة بعدم اعتراض سبيل المهاجرين الراغبين في التوجه إلى أوروبا، ثم أعلن السبت الماضي عن فتح الحدود بين تركيا والقارة الأوروبية أمام من يود الهجرة إلى الطرف الآخر، لعدم وفاء الدول الأوروبية بتعهداتها، وقال إن 18 ألف مهاجر عبروا بالفعل إلى القارة الأوروبية وإن الأعداد ستزيد تباعاً لتصل ما بين 25 و30 ألف مهاجر. وقد توجه مئات المهاجرين إلى حدود اليونان وبلغاريا، اللتين أكدتا عدم السماح بدخول المهاجرين إليهما. فماذا بيد الدول الأوروبية في مواجهة الابتزاز التركي؟
خلال سنوات الحرب السورية اختزلت الدول الأوروبية مشكلة الحرب السورية في أزمة اللاجئين السوريين إلى أوروبا والمخاوف الأمنية من تسلل عناصر متطرفة بين اللاجئين لتنفيذ هجمات في دول القارة. وظل أردوغان يهدد الاتحاد الأوروبي من حين لآخر بفتح الأبواب أمام المهاجرين وتكرار أزمة اللجوء التي سبقت عقد الاتفاق بين تركيا والاتحاد الأوروبي عام 2016 والذي أدى إلى إغلاق طريق البلقان أمام اللاجئين وتضمن ثلاث نقاط رئيسة:
أولا؛ تقديم الاتحاد الأوروبي مساعدة إنسانية للاجئين السوريين في تركيا (3,6 مليون نسمة)، وتقديم ستة مليارات يورو لتركيا رغم قول أردوغان بأن بلاده لم تحصل سوى على ثلاثة مليارات يورو حتى نهاية عام 2019، فيما أكدت المتحدثة باسم المفوضية الأوروبية أن الاتحاد قدم لتركيا 5.6 مليار يورو وإن «المبلغ المتبقي سيُرسل قريباً».
ثانياً؛ أن تستقبل دول الاتحاد الأوروبي السوريين الذين هم بحاجة للحماية، وقد تم حتى نهاية عام 2019 نقل 25 ألفاً منهم إلى دول الاتحاد الأوروبي.
ثالثاً؛ أن تستقبل تركيا كل من يصل بالقوارب إلى الجزر اليونانية. وقد نجحت الاتفاقية في الحد من اللاجئين إلى أوروبا إذ كان عددهم في العام الذي سبق توقيع الاتفاقية نحو مليون طالب لجوء، لكنه انخفض في العام التالي إلى 26 ألفاً فقط. وتلقت آلاف العائلات السورية في تركيا مساعدات إنسانية أوروبية وتتلقى 1,7 مليون سوري مساعدات اجتماعية، وتم تمويل العلاج الطبي للاجئين السوريين.
ورغم أن الاتفاقية أدت إلى تراجع كبير في تدفق اللاجئين إلى أوروبا فإنها تعرضت لانتقادات واسعة لكونها ترهن الدول الأوروبية للابتزاز التركي المستمر عبر التهديد بفتح الحدود وإغراق القارة بسيل اللاجئين، وهو ما لجأ إليه أردوغان مؤخراً.
اليوم، وبسبب التطورات في إدلب، تضغط تركيا على الدول الأوروبية بورقة اللاجئين في محاولة لدفع الأوروبيين للضغط سياسياً على موسكو لتغيير سياستها في إدلب، حتى لا تثير الأزمة هناك موجة لجوء جديدة باتجاه تركيا ومن ثم أوروبا. وفي سبيل ذلك لن تتخلى تركيا عن الاتفاقية الموقعة عام 2016 لكنها تحاول تعزيز الأصوات الأوروبية الداعمة لإقامة منطقة آمنة شمال سوريا، بما يتوافق وطرح أردوغان الذي تجاوزته التطورات الأخيرة في إدلب.
وتعرف الدول الأوروبية أن الخضوع للابتزاز التركي غير مجدٍ، لكنها فشلت في صياغة تصور موحد لمواجهة أزمة اللجوء في القارة وفي إنهاء الحرب السورية، لذا تولّد لدى تركيا أردوغان انطباع بأن الدول الأوروبية قابلة للابتزاز. بيد أن دفع المزيد من الأموال لتركيا سيكون بمثابة مسكن مؤقت لن يحل أزمة اللاجئين أو مشكلة إدلب، لذا لابد أن تحل المسألة من جذورها، أي أن يحصل توافق إقليمي ودولي على إنهاء الحرب في سوريا.

عن "الاتحاد" الإماراتية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية