الفساد يتهدد صناعة الدفاع التركية بعد العقوبات الأمريكية

الفساد يتهدد صناعة الدفاع التركية بعد العقوبات الأمريكية


11/02/2021

أظهر تقرير حديث لمنظمة الشفافية الدولية، ركّز على تقييم شركات الصناعات الدفاعية حول العالم، تقييماً منخفضاً لتركيا، التي باتت مؤخراً واحدة من الدول الـ14 الأولى حول العالم في الصناعات الدفاعية، غير أنّ الفساد يظهر كشبح جديد مع العقوبات الغربية، من شأنه تقويض تلك الصناعة.

وبالنسبة إلى تركيا، فقد كانت تنمية قدراتها الصناعية في مجال الدفاع قراراً ذا أبعاد استراتيجية عدة، فمن جهة تُعدّ تلك الصناعة واعدة، وقادرة على جلب المليارات إلى الدولة المصنّعة، وتضعها في صفوف الدول الكبرى، كما أنها، من جهة أخرى، تمثل سبيلاً لتحقيق طموح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الخاص بأحلام العثمانية القديمة.

وكان التوجّه التركي للعب أدوار إقليمية على حساب دول عدة يحتاج إلى آلة عسكرية ضخمة تستطيع أن تحقق استقلالية ولو جزئية، وتطمح إلى استكمالها، وبذلك اتّسع التدخل العسكري التركي بداية من سوريا مروراً بالعراق وليبيا، وحتى البلقان حيث المواجهة الأخيرة بين أذربيجان وأرمينيا، والتي لعبت فيها منظومة الدفاع التركية دوراً لافتاً.

اقرأ أيضاً: هجرة الأدمغة التركية تتزايد في عهد أردوغان

وباتت كلّ أرض جديدة تتدخل فيها تركيا سوقاً لبيع أسلحتها، أو أرضاً لاختبارها، وقد نجحت تلك الاستراتيجية في تحقيق طفرة صناعية عسكرية لتركيا، حتى أنّ "حصة تركيا من واردات الأسلحة انخفضت من العام 2015 إلى العام 2019 بنسبة 48% مقارنة بفترة الأعوام الـ5 السابقة. ليس هذا فقط، بل انتقلت البلاد من استيراد 70% من عتادها العسكري إلى استيراد 30% فقط"، بحسب ما نقله مركز الإنذار المبكر عن مركز بروجنكز في واشنطن.

التوجّه التركي للعب أدوار إقليمية على حساب دول عدة يحتاج إلى آلة عسكرية ضخمة

وأضاف المركز أنه في الوقت نفسه نمت صناعة الأسلحة التركية من مليار دولار في عام 2002 إلى 11 مليار دولار في العام 2020، أكثر من 3 مليارات دولار منها جاءت من  الصادرات، ممّا جعل تركيا رابع أكبر مصدر دفاعي عالمي.

لكن رغم ذلك، تواجه تلك المنظومة الدفاعية عقبات عدة، وقد ألمح المركز آنذاك خلال تقريره بعنوان "صناعة الدفاع التركية غير الواعدة" إلى الفساد كعائق، حيث قال: "منذ الانقلاب الفاشل في تموز (يوليو) 2016، دبّر أردوغان حملة تطهير واسعة النطاق لحركة غولن أدّت إلى هجرة العقول الوطنية، وتزايدت المحسوبية ومناخ الخوف السياسي، وفي العام الماضي وحده، هاجر 330 ألف شخص من تركيا. وفي الوقت الذي تتأثر فيه جميع القطاعات، إلّا أنّ هجرة العقول على الصعيد الوطني لها تأثير كبير على صناعة الدفاع.

وجاء التقرير الأخير الخاص بالشفافية في منظومة الدفاع مبرزاً ذلك التحدي، فقد أعدّت منظمة الشفافية الدولية، التي تجري دراسات في مجال مكافحة الفساد، تقريراً حول سياسات شركات الصناعات الدفاعية حول العالم الخاصة بمكافحة الفساد والرشوة.

وتضمّن التقرير 134 شركة من 38 دولة، وكشف أنّ نحو ثلاثة أرباع أضخم شركات الدفاع حول العالم لم تتخذ أيّ إجراءات بشأن مكافحة الفساد، أو أنها بذلت جهوداً ضعيفة في هذا الصدد، وجاءت 4 شركات من تركيا ضمن الصفوف الأخيرة في التقرير.

أظهر تقرير حديث لمنظمة الشفافية الدولية ركّز على شركات الصناعات الدفاعية حول العالم تقييماً منخفضاً لتركيا

ومن بين الشركات التركية حصلت شركة أسلسان (Aselsan) على أعلى تقييم بينها في الشفافية، وحصلت شركة صناعات الفضاء وشركة (STM) لهندسة وتجارة تكنولوجيا الدفاع، وشركة روكيتسان لصناعة الصواريخ والتجارة على أقلّ تقييم، بحسب ما أورده موقع صحيفة "زمان" التركية.

تأثير العقوبات

في 14 كانون الأول (ديسمبر) قرّرت واشنطن فرض عقوبات على أنقرة، بسبب شرائها منظومة الدفاع "إس 400" من روسيا، بما يتعارض مع مصالح حلف الناتو، التي تُعدّ تركيا أحد أعضائه، وقد فرضت تلك العقوبات على الوكالة الحكومية المكلفة بشراء الأسلحة؛ أي إنّ تلك العقوبات تضرب مباشرة منظومة الصناعة العسكرية التركية.

أزمة "إس 400" المتواصلة بين الولايات المتحدة وتركيا منذ شهور، يُتوقع أن تشهد منحنى أكثر تشدّداً من قبل الولايات المتحدة في ظلّ إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، ما دفع تركيا إلى التفكير أخيراً في التنازل عن صفقة إس 400 مقابل تفاهمات مع الولايات المتحدة وعلاقات ودّية، وهو ما بدأ مسؤولون أتراك يصرّحون به.

اقرأ أيضاً: برلماني تركي لـ"حفريات": سقوط أردوغان أصبح وشيكاً

وقد تتراجع أنقرة، على أمل التوافق مع واشنطن، وحماية منظومتها العسكرية التي لن تستطيع تطويرها دون الولايات المتحدة والأوروبيين؛ إذ إنّ أجزاء كثيرة من الأسلحة التي تنتجها تركيا يتمّ استيرادها من الولايات المتحدة ودول أخرى، فضلاً عن أنّ أسرار تلك الصناعة ما زالت غير مكتملة لدى تركيا.

غير أنّ ذلك يجعل السماح لتركيا بتطوير تلك الإمكانيات من قبل الولايات المتحدة والأوروبيين أو إطلاعهم على تلك الأسرار محلّ شك، خصوصاً بعدما اختبرت تلك القوى طموح أنقرة.

أخفقت تركيا بالحصول على تراخيص تصدير لمحرك مروحيات ينتجه مشروع أمريكي بريطاني مشترك

وكان الكاتب المصري بشير عبد الفتاح قد قال في مقال في جريدة الشروق حول منظومة الدفاع التركية والعقوبات في 21 كانون الأول (ديسمبر) 2020: كان برنامج الصناعات الدفاعية التركية ينشد تحقيق الاكتفاء الذاتي من الأنظمة التسليحية بمختلف أنواعها وإمكاناتها، توطئة لبلوغ ما يسمّيه المسؤولون الأتراك "الاستقلال الاستراتيجي العسكري" عن المورّدين الغربيين، فقد أعلن أردوغان في أيار (مايو) الماضي نيّة بلاده الامتناع نهائياً عن استيراد أيّ منظومات تسليحية أو حتى مستلزمات الصناعات الدفاعية بحلول عام 2023، الذي يوافق الذكرى المئوية للجمهورية التركية ومعاهدة لوزان، لكنّ العقوبات الغربية تطلّ برأسها على أنقرة حجر عثرة بهذا الصدد.

ولفت عبد الفتاح إلى أنّ "وضع مدير هيئة التصنيع العسكري التركية ضمن قائمة الممنوعين من الحصول على تراخيص التصدير أو الوصول إلى النظام المالي الأمريكي، كفيل بدفع الشركات الدفاعية الغربية للإعراض عن التعاون مع نظيراتها التركية تجنباً لاستفزاز واشنطن وتلافياً لعقوباتها، ما سيؤدّي إلى عرقلة سلاسل التوريد العسكري للجيش التركي، وحرمان شركات التصنيع الدفاعي من إنتاج وبيع أسلحة تركية الصنع لدول أخرى، فقد أضحى مشروع تطوير أول دبابة تركية الصنع من الجيل الثاني طراز "ألتاي" على شفا التجميد، بعدما تعذّر الانتهاء العام الحالي، إثر إرجاء ألمانيا تزويد تركيا بالمحركات الخاصة بتلك الدبابات".

اقرأ أيضاً: أردوغان العالق في دوامة أزمات 2021 يخطط لرؤية 2053!

وأشار الكاتب المصري إلى تعذّر أنقرة عن الوفاء بصفقات بالفعل كانت قد أبرمتها بسبب العقوبات، قائلاً: أخفقت تركيا في الحصول على تراخيص تصدير لمحركها من طراز "تي 800 4 إيه" الذي ينتجه مشروع أمريكي ـ بريطاني مشترك، الأمر الذي عطّل تسليم المروحيات لباكستان، رغم انقضاء مدة العقد، واضطرار إسلام أباد لتمديد أجله عاماً إضافياً.

اقرأ أيضاً: استطلاع رأي جديد: تحالف أردوغان يهوي

وفي السياق ذاته، جاء تأخر بيع مروحيات هجومية لكوريا الجنوبية والفليبين، ثمّ تعطّل مشاريع تصنيع مقاتلات من طراز «إف ـ 16»، ومقاتلات الجيل الخامس من طراز «تي إف إكس»، التي تتطلب جميعها رخص تصدير من واشنطن، كونها تحتاج لمحركات أمريكية الصنع. وهي الانتكاسات التي دفعت بأكثر من 270 متعاقداً من كبار العاملين في المجال الدفاعي التركي للرحيل إلى ألمانيا والولايات المتحدة، التماساً لبيئة عمل أفضل.

 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية