"الغوطة وعفرين": أحلام المهجرين بالعودة إلى منازل تهدّمت وجغرافيا سُرقت

سوريا

"الغوطة وعفرين": أحلام المهجرين بالعودة إلى منازل تهدّمت وجغرافيا سُرقت


14/10/2018

في مشهد نقلته معظم القنوات العربية؛ رصدت كاميرات المصورين خروج أهالي عفرين من ديارهم، منتصف آذار (مارس) الماضي، وعلى الجانب الآخر من الصورة، كان أهالي غوطة دمشق الشرقية يستقلون "الباصات الخضراء"، التي باتت رمزاً من رموز الصراع السوري، ليختزل المشهد توافقات القوى الإقليمية والدولية، التي لربما لم يعلم غالبية السوريين فحواها، إلا عندما باتوا ضحايا لها!
قهرمان أبو مصطفى، مهجَّر عفريني من قرية تابعة لناحية جنديرس بريف المنطقة، يتحين فرصة العودة إلى دياره، التي لربما سئمت غيابه كما سئم هو، فقد كان من بين قرابة 200 ألف عفريني آثروا الخروج ضمن قوافل من عفرين باتجاه المجهول، لتستقر به الحال في قرية "تل قراح" الواقعة في ريف حلب الشمالي.

لا يتمكن المهجّر العفريني قهرمان من العودة إلى بيته بسبب ما ترتكبه فصائل المعارضة السورية تحت أعين الجيش التركي

يقول قهرمان لـ "حفريات": "حال داري كحال كلّ المنازل، لم تسلم من السرقات وخلع الأبواب وكسر النوافذ؛ حيث نُهبت جميع محتويات البيت، من قبل عناصر الفصيل الموجود في قريتي، الذين يسمّون بأحرار وجيش الشرقية، وقد حاولوا الاستيلاء عليه مراراً بحجة أنني غير موجود، وأنّ المنازل المحسوبة على المقربين من الإدارة الذاتية ستحجز جميع ممتلكاتها".
ويضيف قهرمان: "المستوطنون القادمون مع المحتل من أهالي الغوطة، أتوا على شكل جماعات، برفقة من يسمون أنفسهم بـ (الجيش الحر)، لإسكانهم في منازل المُستبعدين نتيجة الغزو التركي، وضربات طيرانها ومدافعها، التي هجرت أكثر من ثلاثمئة ألف من سكان قرى عفرين، هنالك تطبيق ممنهج للتغيير الديموغرافي من قبل سلطة الاحتلال التركي، وهنالك إحصائيات وأرقام لدى المنظمات الدولية كمنظمة العفو الدولية وغيرها".

ورغم وجود أقرباء له في ريف عفرين، لا يتمكن قهرمان من العودة، مع ارتفاع وتيرة التجاوزات التي ترتكبها فصائل المعارضة السورية تحت أعين الجيش التركي أو بإشرافه، فيقول حول ذلك: "يمنعنا من العودة وجود الاحتلال العسكري التركي، والفصائل الراديكالية السلفية كأحرار الشام وأحرار الشرقية والعمشات والشعيطات ذات الطابع الإخواني المتشدد، وغيرها كلواء السلطان مراد المتطرف، الذين يمنعون أهالينا الموجودين في مناطق عفرين من التحدث بلغتهم، أو ممارسة طابعهم التقليدي والتراثي، إضافة إلى سوء المعاملة والاعتقال والخطف والإجبار على دفع الفديات المالية بغية الإفراج عن المخطوفين، أو إبقائهم في المعتقلات والاعتداء عليهم، وقتلهم أو نفيهم كما حال الكثيرين".
وأظهرت العديد من الصور والمقاطع المصورة من قبل فصائل المعارضة اعتداء عناصرها على مُختطفين "أكراد" بغية الحصول على مبالغ مالية للإفراج عنهم، كان من بينها اختطاف المواطن "غسان عمر فوزي حسن"، الذي ظهر في مقطع مُصور والسكين تلف عنقه؛ حيث طالب المختطفون من جماعات "الجيش الحر" بمبلغ 10 ملايين ليرة سورية (أي ما يعادل 22 ألف دولار)، مقابل الإفراج عنه.

عنصر من "الجيش الحر" يهدّد بقطع رأس المواطن غسان فوزي (صفحات الناشطين)

ويبدي قهرمان جسارة في أمله بالعودة القريبة، فيقول: "دائماً الأمل موجود، أعتقد بأنّ عودتنا مرفوعي الرأس ستكون قريبة جداً، عزيمة أهلنا في الشهباء وغيرها، قوية بما فيها الكفاية"، مردفاً: "أؤمن بأنّ المقاومة حياة، وبأنّ دماء الشهداء لن تذهب هدراً، وأنّ عفرين منطقة جغرافية سورية، وبأننا صامدون وصابرون بكل الوسائل المتاحة، لحث الضمير الدولي ومنظماته، وخيارنا الأخير بأنّ ما سلب بالقوة، لا يُسترد إلا بالقوة".

أحجار يُلعب بها

وتوافق قهرمان، السيدة كوله نوزي، التي ما تزال مُقيمة في مدينة عفرين، في بعض ما يقول وتختلف معه في أخرى؛ حيث تسرد لـ "حفريات" بعضاً من الوقائع عقب سيطرة الأتراك على المنطقة الكُردية بالقول: "مع توافد مواطنين من بيئات مختلفة ومناطق سورية عديدة إلى عفرين، كان الأمر مكروهاً جداً في بداية الأمر"، مردفةً: "لكن وبسبب طبيعة عملي التي جعلتني أحتك بالبعض منهم، رأيت نفسي مُخطئة بعض الشيء؛ لأنهم في النهاية أناس مثلنا، تركوا أرضهم ومسقط رأسهم وذاقوا مرارة الحرب أكثر منا، وفي الحقيقة هم ليسوا راضين بالإقامة هنا، لكننا أحجارٌ ويُلعب بنا".

لقطة من قناة معارضة تظهر استقدام أهال من ريف دمشق إلى عفرين
وحول صحة اشتراك الأهالي القادمين مع فصائل المعارضة المدعومة تركياً في عملية التغيير الديموغرافي، تضيف نوزي: هناك قسم يؤيد تلك العملية، وقسم لا يؤيدها، لكن الأغلبية منهم مهجرون بشكل لا إرادي، هم أناس بسطاء، لا قدرة لهم على فعل شيء، أما التغيير الديمغرافي فهو لعبة دول لا غير"، وترى نوزي أن "شريحة من هؤلاء ليست راضية عن أفعال المسلحين، خاصة ممن لا تربطهم علاقة بهم، فيما تساند شريحة أخرى الممارسات التي يقوم بها المسلحون، بسبب انتماء أبنائها إلى تلك الفصائل؛ حيث تتفاخر تلك الشريحة بتجاوزات المسلحين ويساندونهم فيها".

اقرأ أيضاً: العودة إلى عفرين: الأكراد أمام مُقاومة بيضاء أو استسلام بطعم الهزيمة

وفيما يخص أبرز الانتهاكات داخل مدينة عفرين، تشير نوزي إلى أنها تكمن في "اتهام أي كُردي بالانتماء إلى حزب الاتحاد الديمقراطي أو وحدات حماية الشعب، إضافة إلى وجود عنصرية كبيرة في توزيع المساعدات الإنسانية؛ حيث تكون حصة الكُرد إن وجدت على الهامش"، كما تنوه إلى نسبة سكان عفرين الأصليين من "الكُرد" مع نسبة المواطنين القادمين من خارجها، فتقول: "تتفاوت نسبهم مع نسبنا، لكن إن بقينا على هذه الحال، لن يبقى شيء اسمه "كُرد" في عفرين".

خروج أهالي عفرين والغوطة بموجب اتفاق روسي تركي منتصف آذار الماضي (قناة الميادين)

المنظومة العالمية غير مُعترضة

رمزي شيخموس، وهو نائب رئيس المجلس التنفيذي في مقاطعة عفرين، التي تمثل حكومة "الإدارة الذاتية" التي كانت تتولى المنطقة خلال الفترة المُمتدة من العام 2014 إلى آذار (مارس) العام 2018، يعرب عن اعتقاده لـ "حفريات": بأنّ "تركيا قد تمكنت من تحقيق التغيير الديموغرافي في عفرين، وهي كانت الغاية الأساسية من احتلال عفرين؛ حيث تمتلك تركيا (فوبيا الكُرد) بسبب عجزها عن حل القضية الكردية داخلها، ولو تمكنت لقامت باقتلاع الكُرد من شمال سوريا، وهي تقوم بذلك بحجة اتفاقية أضنة التي تمنحها الصلاحية باجتياز الأراضي السورية حتى حدود 40كم، بحجة ملاحقة الإرهاب"، مردفاً: "دعونا لا نغفل أنّ الدول الأربع (إيران، تركيا، العراق و سوريا) ورغم الخلافات التي تقع بينها بين الفينة والأخرى، إلا أنها متوافقة تماماً في تعاطيها مع الملف الكُردي، وعليه فإننا نعتقد بوجود تيار قوي ضمن النظام السوري راضٍ عن التغيير الديموغرافي الحاصل في عفرين، ونستذكر هنا مشروع (الحزام العربي) الذي طبق في المناطق الكُردية في ستينييات وسبعينات القرن الماضي، وبالتالي فإنّ النظام السوري حتى إن لم يكن مُشاركاً، إلا أنه لا يقف عائقاً أمام تنفيذ المخطط التركي، ونعتقد أنّ مسؤولية تطبيق التغيير الديموغرافي لا تقع على كاهل تركيا وحدها، إنما تتحمل المنظومة العالمية بأسرها هذه المسؤولية، بما فيها القوى الغربية (أمريكا وأوروبا والأمم المتحدة)، التي لم تقم حتى باستصدار بيان حول ما يحصل".
ويضيف شيخموس: "سنتخذ كل ما نملكه بغية استعادة عفرين، بما فيها الطرق السياسية والدبلوماسية، وهو قرار مُتّخذ ولدينا إستراتيجية بغية الوصول الى تلك الغاية، على مستوى الإدارات الذاتية في (عفرين وكوباني والجزيرة)، من خلال جعلها أولوية، عبر دبلوماسية نشطة، وأخيراً الأسلوب العسكري، ونعتقد بأنّ لدينا الجاهزية العسكرية بغية استعادة عفرين، لكننا نمر بوضع مُعقد".

اقرأ أيضاً: عفرين.. والحسابات الصعبة!

ويشير شيخموس إلى الإدارة الموحدة في شمال سوريا، والتي أعلن عنها في السادس من أيلول (سبتمبر) الماضي: "يجري التحضير منذ فترة لتشكيل إدارة ذاتية موحدة في شمال سوريا، وعفرين هي جزء من تلك الإدارة، التي تضمّ مناطق عفرين وإقليم الفرات وإقليم الجزيرة، ومنبج والطبقة والرقة، وستشمل تغييرات شاملة تدريجية"، أما إدلب، فيعتقد شيخموس أنها "موضوع حساس للغاية وسلاح ذو حدين"، مُستدركاً: "نحن جاهزون لكل الاحتمالات، وقد تتم إعادة ترتيب الأوراق في إدلب من خلال تغييرات غير متوقعة".

رمزي شيخموس: نائب رئيس حكومة الإدارة الذاتية في عفرين
ويشدّد شيخموس على أنّ جماعة الإخوان المسلمين السورية مُتورطة حتى النخاع في مشروع التغيير الديموغرافي الذي تتبنّاه "أنقرة" في عفرين، مضيفاً: "الإخوان المسلمون وأردوغان لهما خلفية واحدة، ولديهما مشروع واحد، منذ تقلد حزب العدالة والتنمية الحكم في العام 2002"، مضيفاً: "يعادي الإخوان المسلمون الكُرد بشكل أساسي، كونهم علمانيين ويؤمنون بالديمقراطية، وهذه مفاهيم يعاديها الطرفان المذكوران آنفاً، وبالتالي فإنّ وقوف حركة الإخوان المسلمين في سوريا ضد الكُرد كمكون سوري رغم أنّ ذلك يتعارض مع الفكر والانتماء الوطني ليس بغريب، كوننا إن تعمقنا في الفكر الإخواني سوف نصل إلى موضوع تشكيل (الإمارات الإسلامية) كالتي شكلها تنظيم (داعش)، هم لا يسعون إلى بناء وطن، ولا يختلف الإخوان المسلمون عن داعش من حيث الفكر، لكن مع إلباس تطرفهم قالباً سياسياً، الأمر الذي يمنعنا من العيش معاً، كوننا نؤمن بوطن ديمقراطي تعددي، تعيش فيه مختلف المكونات وفق نظام علماني"، ويستذكر شيخموس وقائع حصلت في ثمانينيات القرن الماضي، حين حاول الإخوان التغلغل في عفرين من خلال أعمال عنف وقعت حينها في مجموعة مناطق سورية بينها محافظة حماه، منوهاً إلى أنّ "الحركة السياسية الكردية وكامل الأهالي في عفرين تصدوا حينها لمحاولاتهم تلك، فيما تمثل الوقائع الحاصلة اليوم فرصة جديدة للتنظيم بغية تنفيذ مخططاته المتطرفة".

مسؤول كردي: جماعة الإخوان المسلمين السورية مُتورطة حتى النخاع في مشروع التغيير الديموغرافي الذي تتبناه أنقرة في عفرين

ويؤكد شيخموس على ضرورة التواصل مع القوى المناوئة لجماعة الإخوان المسلمين في مختلف الأوساط السورية والعربية، بالقول: "مشروعنا في الإدارة الذاتية يستند على أخوة الشعوب والعيش المشترك، على صعيد سوريا والشرق الأوسط، بين مختلف الأعراق واللغات والديانات، وبالتالي فإن التواصل مع كل دعاة السلام والديمقراطية، المؤمنين بقدرة شعوب المنطقة على حكم نفسها بنفسها هو أمر واجب؛ لأنّ حل الصراع السوري ليس في جنيف أو سوتشي، إنما داخل الأراضي السورية، ويكون عبر المصالحة والعمل على مُواجهة الفكر الظلامي الإخواني، وهو ما يمكن استنتاجه من محاولات مجلس سوريا الديمقراطية الحوار مع الدولة السورية، في إطار السعي نحو بناء وطن يحفظ حقوق جميع المكونات وقناعاتهم".

العفرينيون كالفلسطينيين
يوضح الحقوقي السوري، حسين نعسو، المُنحدر من عفرين، في حديثه إلى "حفريات"، بأنّ "المنطقة كانت تحتضن قبل الهجوم التركي عليها، ما يقارب مئتي ألف سوري، من مختلف المناطق، الذين وجدوا في عفرين ضالتهم في الأمن والأمان"، مردفاً: "أما عوائل المسلحين الذين جاؤوا إلى عفرين بعد الاحتلال التركي لها، لا يمكن تسميتهم إلا بالمستوطنين؛ لأن من يستحل دار غيره ويستوطن فيها بالقوة، دون رضا صاحبها الذي هجرها بالقوة، لا يختلف عن المستوطنين الإسرائيليين الذي استوطنوا منازل الفلسطينيين بعد أن تم تهجيرهم".
ويضيف نعسو: "الغالبية العظمى منهم مسلحون رفضوا تسليم أسلحتهم وتسوية أوضاعهم، ينحدرون من مناطق تمت فيها المصالحة بين فصائل المعارضة والنظام، وتم نقلهم نتيجة اتفاقيات معينة مع أسلحتهم إلى عفرين، وبالتالي ينتفي عن هؤلاء صفة المدنية، ليسوا مهجرين أو لاجئين، إنما مستوطنون ومحتلون، شأنهم في ذلك شان الفصائل العسكرية المرافقة للمحتل التركي".

اقرأ أيضاً: بهذه الطريقة تحاول تركيا وحلفاؤها فرض تغيير ديموغرافي وصراع عرقي بعفرين

ويرى نعسو أنّ تركيا "نجحت إلى حدٍ بعيد في مساعيها بدق الإسفين بين مكونات سوريا العرقية والدينية والمذهبية، عبر زرع بذور الفتنة وتعميق الشرخ في العلاقات الاجتماعية، خاصة مع قبول فصائل المعارضة المسلحة بأن تكون مطية لتنفيذ اجنداتها، وجعلها رأس حربة في صراعها مع شركائهم في الوطن السوري أي "الكُرد"، عندما أطلقت لهم العنان باستباحة عفرين". ويؤكد نعسو أنّ ما بين العرب والكُرد "تاريخ مشترك يمتد لمئات السنين، يكتنفها علاقات المُصاهرة والعيش المشترك والجيرة، وهو ما يُحتم على العقلاء في الطرفين العمل على تخفيف حدة الاحتقان وتضميد الجراح".

الحلّ يتمثل في تطبيع العلاقة بين الكُرد والعرب عبر القضاء على بؤر التوتر وذلك بإنهاء الاحتلال التركي

ويذكر نعسو أنّ ما يجري يشابه "تجارب عديدة لدول أخرى عصفت بها رياح الحرب الأهلية، وكان لا بد في النهاية لمكوناتها من البحث عن حلول سياسية تنصف الجميع، ومنها السودان ودول يوغسلافيا السابقة وتيمور الشرقية والعراق وغيرها"، مشدداً على أنه "لابد من إعادة الحال في عفرين وعموم سوريا الى ما كانت عليه قبل العام 2011، من حيث التغيرات في التركيبة السكانية، التي حدثت في عموم سوريا، نتيجة الهجرة للخارج أو التهجير بفعل العمليات الحربية، والتي كان لها طابع ديني أو إثني، مثلما حدث في الفوعة وكفريا والزبداني وريف دمشق حيث التهجير والتغيير الديمغرافي شمل طائفة دينية بعينها دون سواها، ومنها ما كان ذا طابع عنصري كالتغيير الديمغرافي الذي جرى ومايزال مستمراً في عفرين؛ حيث اقتصر التهجير على الكُرد دون سواهم".

مسلحو المعارضة السورية الذين شاركوا الأتراك في الحرب على عفرين
ويعتقد نعسو أنّ الحل "يتمثل في تطبيع العلاقة بين الكُرد والعرب، والذي يكون عبر القضاء على فتيل وبؤر التوتر"، من خلال "إنهاء الاحتلال التركي المُرافق بفصائل راديكالية في عفرين، وعودة المُهجرين وتعويض المُتضررين، والتطلع لبناء سوريا ديمقراطية لامركزية، تنصف الجميع وتُقر بحقوق المكونات دستورياً".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية