الغنوشي.. من "طلع البدر علينا" إلى "أسوأ" شخصية في عيون التونسيين

الغنوشي.. من "طلع البدر علينا" إلى "أسوأ" شخصية في عيون التونسيين


23/08/2020

خرج من رحم أسرة متواضعة تسكن قرية الحامة بولاية قابس التونسية؛ الأب فلاح متواضع يعول ثمانية من الأبناء، يعملون جميعاً بالزراعة حتى غروب الشمس، ثم يجتمع الأطفال بالبيت يصنعون السلال من سعف النخل، سيصعد نجم طفل من بينهم في سماء تونس، وسيصبح لاحقاً واحداً من أكثر الشخصيات التونسية إثارةً للجدل  والأزمات في العالم العربي.

اقرأ أيضاً: استطلاع رأي: راشد الغنوشي الشخصية الأسوأ في تونس

راشد الغنوشي الذي تسبب ضنك العيش الذي كانت تعيشه أسرته في انقطاعه عن الدراسة لمدة عام، جراء تعثر الأب في توفير المصروفات الدراسية، سيوصف لاحقاً بأنه أكثر التونسيين ثراءً، وسيطالب كثيرون بالتحقيق في مصادر تلك الثروات الطائلة التي قدرها البعض بنصف ميزانية تونس.

من  زعيم سياسي إلى مرشد للأمة

كان الغنوشي قاسماً مشتركاً في أكثر من موقف مثير للجدل تناقلته وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، وأصابت المتابعين وشرائح واسعة من الجمهور التونسي والعربي بالإحباط وخيبة الأمل.

كانت البداية في 30 كانون الثاني (يناير) من العام 2011 في مطار قرطاج الدولي عندما احتشد  أعضاء وأنصار حركة النهضة التونسية التي يتزعمها، هاتفين بأنشودة "طلع البدر علينا" في مشهد أقرب للحظة هبوط طائرة الخميني في مطار مهرآباد في طهران العام 1979، وسط تكبيرات وصيحات الجماهير.

  الغنوشي الذي يتزعم حركة النهضة منذ العام 1991 نجح في بسط سيطرته على الحركة

 أثار ذلك حفيظة قطاعات واسعة من الشعب التونسي الذي استفزه دلالات هذا المشهد الذي يخلط السياسي مع الديني، ويوحي بأنّ مستقبل تونس قد يختطفه مرشد جديد يسير على خطى المرشد الإيراني الذي نجح في تأميم مفاصل الدولة لصالح مجموعة من أصحاب العمائم. بعد تسعة أعوام من ذلك الترحيب سيصبح الغنوشي وفقاً لاستطلاعات الرأي أسوأ شخصية سياسية في عيون التونسيين.

إثارة الأزمات في البرلمان

على الرغم من إعلان الغنوشي بعد وصوله إلى تونس مباشرةً عدم نيّته الترشح لأي منصب سياسي واكتفاءه بمنصبه كنائب لرئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، إلا أنّه ما لبث أن ترشح عن دائرة تونس الأولى الانتخابية، ثم انتخب رئيساً للبرلمان في 13 تشرين الثاني (نوفمبر) من العام 2019، وسرعان ما نشبت معركة شرسة بعد انتخابه بشهرين؛ بسبب لقائه للرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي استمر لساعات، أعقبه لقاء الأخير بفايز السراج رئيس حكومة الوفاق الليبية، ثم اتصال الغنوشي بالسراج مهنئاً له على الاستيلاء على قاعدة الوطية، فيما اعتبرت المعارضة المدنية هذه المواقف مسّاً بالأمن القومي التونسي،  ودبلوماسية موازية، وتعدياً سافراً على اختصاصات رئيس الجمهورية قيس سعيد، وإقراراً بتبعية موقف تونس للمحور التركي القطري.

نشبت معركة شرسة بعد انتخابه بشهرين بسبب لقائه بالرئيس التركي أردوغان

كما وجّه رئيس حكومة تصريف الأعمال الأسبق إلياس الفخفاخ انتقادات واسعة ضد حركة النهضة الإخوانية شريكته في الحكم سابقاً؛ محملاً إياها جزءاً كبيراً من الأزمة التي تمر بها البلاد؛ حيث أكد الفخفاخ في حوار بثته إذاعة "اكسبرس اف ام" الخاصة أنّ حركة النهضة تريد أن تجعل من الحكم غنيمة لها عبر تقديم ولاءات مقابل امتيازات مضيفاً "رفضت هذه السياسة من البداية لذلك تعرضت للتعطيل من قبل الحركة وحلفائها"؛ لتستمر سلسلة الأزمات التي تزعزع استقرار تونس الاقتصادي والاجتماعي.

 تجاهل تعهّده بعد وصوله إلى تونس مباشرةً بعدم نيته الترشح لأي منصب سياسي

أدت تلك المواقف التي تبناها الغنوشي وحركته إلى تصاعد حدة الاحتقان في الشارع التونسي، مما دفع عدداً من النواب لتقديم عريضة من أجل سحب الثقة منه؛ متّهمينه بإخلاله بالنظام الداخلي والفشل في إدارة الجلسات، وتقدموا بعريضة لسحب الثقة والتي تستوجب توقيع ثلث نواب البرلمان الذي يضم 217 نائباً، وبرغم نجاح الغنوشي "بشق الأنفس" في تخطي تلك الأزمة، فإنّ محللين اعتبروا هذا النجاح فشلاً سياسياً ذريعاً، حيث صوت 97 نائباً مع سحب الثقة فيما صوت 16 نائباً ضدها، وجرى التصويت بالاقتراع السري وبدون جلسة مناقشة مسبقة، وهو ما انتقده عدد من النواب ومركز "البوصلة" المستقل لرصد نشاط مجلس النواب، الذي دعا إلى أن تكون العملية أكثر "شفافية"، فكانت سقطة جديدة.

اقرأ ايضاً: ما الوجه الآخر لتجديد الثقة بالغنوشي؟

الغنوشي الذي يتزعم حركة النهضة منذ تشرين الثاني (نوفمبر) من العام 1991، نجح في بسط سيطرته على الحركة؛ معتمداً على دائرة ضيقة من الأقارب والأصهار، نجح في تأسيس تنظيمه الخاص؛ حيث أشارت لجنة الدفاع في قضية الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي إلى تورط الحركة عبر "تنظيم سري" في اغتيال المعارضين التونسيين وأكدت اللجنة أن العديد من الوثائق "الخطيرة" التي يرجح ارتباطها بالملف مودعة في "غرفة سوداء" بوزارة الداخلية، هذا وقد جدّدت أرملة الشهيد بلعيد السيدة بسمة الخلفاوي تحميل حزب النهضة وتنظيمه الخاص مسؤولية اغتيال الشهيدين، كما نفت وجود أي إرادة سياسية لفتح ملف الاغتيالات مجدداً على الرغم من مرور 7 سنوات.

ثراء فاحش وسط فقر مدقع

أثار تسريب مقطع مصور للغنوشي غضب واستياء التونسيين؛ وذلك عندما شاهدوا حفلة غنائية، جلس فيها الغنوشي وسط المطربات والأصدقاء والصديقات في قصره المنيف، برغم  إعلانه أنه لا يمتلك سوى سيارة متواضعة ومبلغ ضئيل في المصارف التونسية.

وكان القيادي الإخواني المنشق فريد الفيتوري قد صرح بأنّ الغنوشي يمتلك أسطولاً من السيارات الفاخرة، وجيشاً من الحرس الشخصي، وعقارات في مناطق سياحية وأراضي شاسعة في منطقة باجة شمال غربي تونس، وواحات نخيل في مدينة توزر جنوب غربي البلاد.

اقرأ أيضاً: تونس.. الخلافات بين الغنوشي وسعيد بدأت تأخذ مساراً تصاعدياً

وأكد الفيتوري أنّ هذه الأملاك وقع إثباتها في "دفتر خانة" التونسية (السجل الرسمي للأملاك) وقد وقع تسجيلها في فترات متراوحة بين العامين 2012 و2018، يأتي ذلك في الوقت نفسه الذي يعاني ملايين التونسيين الفقر والعوز، وتصاب الدولة بأزمة اقتصادية واجتماعية هي الأعنف في تاريخها الحديث؛ جراء غياب الاستقرار السياسي بسبب مواقف الغنوشي وحزب النهضة الذي يتزعمه.

 بعد 9 أعوام من ذلك الترحيب سيصبح الغنوشي وفقاً لاستطلاعات الرأي أسوأ شخصية سياسية بعيون التونسيين

ونتيجة لذلك ظهرت عريضة إلكترونية عنوانها "من أين لك هذا؟" استطاعت جذب قطاعات من الشعب التونسي، تطالب بالتحقيق في مصادر ثروة الغنوشي، وقد جاء في نص العريضة: "قدرت مصادر إعلامية ثروته بمليار دولار في حين تتحدث مصادر إعلامية أخرى عن مبلغ يساوي ثمانية أضعاف هذا الرقم، أي ما يعادل خمس ميزانية الدولة التونسية، فكيف له بهذه الثروة؟". واعتبرت العريضة أنّ الغنوشي هو "أول من تجب محاسبته عن مصدر ثروته؛ لأنّه ثاني وجه سياسي في البلاد، باعتباره رئيس السلطة التشريعية ولأنه أحد أثرى أثرياء تونس، فإنه من الواجب أن يكون أول من يجيب عن سؤال: من أين لك هذا؟".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية