الغنوشي في المكان الخطأ

الغنوشي في المكان الخطأ


14/01/2020

فاروق يوسف

إما أن ينسحب راشد الغنوشي من رئاسة مجلس النواب التونسي أو أن يُقال عن طريق سحب الثقة منه.

عن طريق ذلك الحل تسعى أحزاب تونس الممثلة في المجلس إلى تصحيح خطئها الذي ارتكبته في لحظة عمى سياسي.

فلا يكفي رفض منح الثقة لحكومة حبيب الجملي لإسقاط هيمنة حركة النهضة على القرار السياسي بل والحياة السياسية في تونس.

لا يكفي أن تكون حركة النهضة معزولة في مجلس النواب، بحيث لا يقف معها أحد في ما تنوي أن تقترحه من تشريعات، من شأنها أن تقضي على آمال الشعب التونسي في الحياة الحرة الكريمة.

فزعيم الحركة يمكنه من خلال منصبه أن يقوم بأفعال، قد تؤدي إلى إحراج تونس أو تورطها في محاور هي في غنى عنها.

الغنوشي الذي يمتلك قدرة على صنع إنشاء بليغ هو في الحقيقة لا يملك مشروعا خدميا واضحا. ما لديه يذكر بـ"غرغرات" الاخواني السوداني حسن الترابي مع اضافة مجموعة من الجمل الجاهزة التي تتعلق بالديمقراطية التي لا يؤمن بها.

وإذا ما كان الرجل قد اعتبر اقتراب تركيا من تونس من خلال تورطها في الحرب الليبية نوعا من حسن الحظ فذلك في الواقع حدث ينطوي على الكثير من سوء الحظ.

لم يكن الغنوشي في حاجة إلى الاعتراف بأسرار علاقته المتينة بقطر وتركيا. وهو إذ يتحرك في الاتجاهين فإن له أسبابه الأخوانية المبيتة.

راشد الغنوشي هو جسر اخواني إلى تونس.

الرجل ليس غامضا. هناك شيء منه يمكن أن يُفتضح بيسر. فهو بالرغم من تمتعه بنوع من المرونة العملية التي اكتسبها من تجربة الإقامة في لندن فإنه لا يطيل البقاء خلف كلماته كثيرا.

يفضحه سلوكه وهو لا يرى في انتمائه الاخواني ما يعيب. فهو اخواني وليس لديه ما يقدمه للتونسيين سوى شريعة الاخوان التي تتمتع بمال قطري وغطاء سياسي تركي.

ولكن ماذا بعد ذلك؟

ذلك السؤال الذي يكشف عن اللعبة الخبيثة. وهو ما صارت الأحزاب الممثلة في مجلس النواب التونسي على بينة منه. فالرجل المؤتمن على المؤسسة التشريعية يمكن أن يدخل البلاد في نفق ارهابي ليست له نهاية.

كاد الغنوشي أن ينجح في فرض حكومة تزج بتونس في حرب لن تخرج منها سالمة. تلك الدولة الصغيرة التي حافظت على نفسها وسط العواصف كان من الممكن أن تضيع بعد لقاء رئيسها  قيس سعيد بالرئيس التركي رجب طيب اردوغان الذي زار تونس باعتباره فاتحا.

كان ذلك خطأ الغنوشي الذي لا يمكنه أن يتفاداه.

فهو ابن الصنعة الاخوانية. لذلك فإن مشروعه الوحيد يكمن في أن يحول تونس إلى ولاية اخوانية، ليس بالضرورة أن يكون اردوغان سلطان الخلافة التي تتبعها ولكنه على الأقل المبشر بتلك الخلافة.

كل ذلك صار مكشوفا بالنسبة للشعب التونسي.

فإن صمتت الأحزاب المشاركة في العملية السياسية عن ذلك فإنها تكون مشاركة في الجريمة. وهو ما أدى إلى اسقاط الثقة بحكومة الجملي وهو ما يمكن أن يؤدي إلى إزاحة الغنوشي نفسه عن رئاسة مجلس النواب.

فالغنوشي رجل لا يؤتمن على مصير تونس.

هو محق في ما يؤمن به، غير أن ذلك ينبغي أن يقع خارج إطار الدولة التونسية. هناك شعب ينتظر من دولته خدمات لا يفكر فيها الغنوشي. لذلك وجب عليه أن يستقيل.      

اما إذا لم يستقل الغنوشي فإن اقالته ليست بالأمر الصعب.

ذلك اجراء سيعيد الأمور إلى نصابها بالرغم من أن الهزائم الجزئية التي منيت بها حركة النهضة في أوقات سابقة لم تضع حدا لأطماعها في الاستيلاء على السلطة بشكل كامل.

حين يذهب الغنوشي للقاء أردوغان مدعيا أنه فعل ذلك من أجل تهنئة الرئيس التركي لمناسبة دخول تركيا نادي صانعي السيارات فإن تلك الكذبة انما تكشف عن وجهه الحقيقي. الاخواني المتعالي على الشعب والمستخف بالدولة.

ذلك حدث يجب أن يتعرض الغنوشي بسببه إلى المساءلة التي لابد أن تنتهي إلى عزله ومراجعة أوراق وأوراق حركته.

عن "ميدل إيست أونلاين"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية