العراق: أسرار زيارة الكاظمي لمقر الحشد الشعبي بعد العقوبات الأمريكية

العراق: أسرار زيارة الكاظمي لمقر الحشد الشعبي بعد العقوبات الأمريكية


21/01/2021

يُنظر إلى الزيارة، غير المعلنة، التي قام بها رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، إلى مقرّ الحشد الشعبي، كونها حادثاً لافتاً أو مباغتاً، خاصة في ظلّ وجود سابقات عديدة لها، وذلك رغم العداء المكبوت والمعلن بين الطرفين، والذي يصل حدّ العداء الصريح؛ إذ اتهمت قيادات التنظيم المدعوم من إيران الكاظمي، الذي شغل منصب مدير المخابرات العراقية قبل رئاسة الحكومة، بأنّه متورط في تسهيل عملية اغتيال القياديَّين في الحرس الثوري الإيراني؛ "أبو مهدي المهندس" وقاسم سليماني، اللذين استُهدفا مطلع العام الماضي، بواسطة غارة جوية على مطار بغداد.

الكاظمي والميليشيات بين العداء والتفاوض

راكمت الخلافات والتباينات السياسية بين الكاظمي وقيادات الحشد الشعبي عداوات جمّة، بلغت حدّ تهديد القيادات المباشر للكاظمي، في مواقف وسياقات متفاوتة، كما أنّ التحرّكات الخارجية للكاظمي، الذي انتقل من منصبه الأمني إلى رئاسة الحكومة، في لحظة توتر قصوى، بين طهران وواشنطن، كانت ساحتها بغداد، شكّلت تهديدات مضاعفة، على المستويين السياسي والإقليمي، ضدّ وكلاء إيران، خاصة في ظلّ تنامي الاحتجاجات الشعبية، منذ تشرين الأول (أكتوبر) عام 2019، ضدّ الفساد السياسي، والانفلات الأمنيّ الذي تسبّبت فيه الميليشيات.

وإلى جانب سياسة رئيس الوزراء العراقي، التي مثّلت ضغوطاً وجودية فيما يتّصل بنفوذ المجموعات الولائية السياسيّ؛ حيث تحرّى تنويع علاقاته الخارجية، والبحث عن شراكات غير تقليدية، في محيطه الإقليمي الحيوي، العربي والخليجي، فإنّه تعقّب كذلك الممارسات المنفلتة للميليشيات، وحاول تقييدها بالقانون، واستعادة مؤسّسات الدولة نحو دورها السيادي المفقود.

اقرأ أيضاً: هل ينجح الكاظمي في تخليص العراق من الفساد والميليشيات؟

وقد زار الكاظمي السجون للبحث عن موقوفين دون أدلّة قانونية، كما وجه القوات الأمنية، في النصف الثاني من العام الماضي، للبحث عن أحد الناشطين العراقيين، الذي اختُطف في مدينة الناصرية، واقتحام المنازل التي يشتبه باستخدامها من قبل "هيئة الحشد" كسجون سرّية، وهو الأمر الذي تمّ من خلال قوات مكافحة الإرهاب، مدعومة بمروحيات عسكرية.

تقارير إخبارية: الفياض حذّر قادة الحشد، الموالين لإيران، من أنّ الكاظمي يخطط لحلّ الحشد الشعبي، بعد أن تفرَض عقوبات متتالية على رؤوسه البارزة

بيد أنّ الزيارة "غير المعلنة" للكاظمي، تحمل دلالات عديدة، يبرزها التوقيت الذي يبدو مضغوطاً تحت وطأة متناقضات عنيفة، تحتاج إلى خفض طاقتها؛ إذ تزامنت خطوة رئيس الحكومة، التي جاءت بعد تلقّيه تهديدات متكررة، وتقليدية، من العناصر الميليشياوية، قبل فترة وجيزة، مع إعلان وزارة الخزانة الأمريكية، فرض عقوبات على رئيس هيئة أركان الحشد، عبد العزيز المحمداوي، المعروف بـ "أبو فدك"، إثر تصنيفه على قوائم الإرهاب، والأمر ذاته حدث مع رئيس "الحشد"، فالح الفياض، بدعوى تورّطه في انتهاكات حقوق الإنسان.

ماذا وراء زيارة الكاظمي لمقرّ الحشد؟

إذاً، فإنّ زيارة القائد العام للقوات المسلحة، ورئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، جاءت لتقوية سلطة رئيس هيئة الحشد الشعبي، فالح الفياض، مقابل سلطة رئيس أركان الحشد الشعبي، المنتمي لكتائب حزب الله، أبو عبد العزيز المحمداوي، حسبما يوضح الباحث العراقي، الدكتور محمد نعناع، الذي أبلغ "حفريات" بأنّ ما فعله الكاظمي هو "محاولة بأن يلعب الفياض دوراً ينسجم مع تحركات الكاظمي، في مقابل قيام الأخير بوساطة مع الأمريكيين لرفع اسم الفياض من قائمة العقوبات الأمريكية، وقد طلب الكاظمي من الفياض الإصرار على تسلّم شخصيات مرتبطة به مناصب مهمة في الحشد الشعبي؛ كمنصب مدير العلاقات في الحشد الشعبي، الشاغر منذ أيام، بعد وفاة أحمد الجابري، إثر حادث مروري في اليوم نفسه الذي خرج فيه التيار الولائي بتظاهرات في العراق، إحياءً لذكرى مقتل سليماني والمهندس".

الباحث العراقي الدكتور محمد نعناع

ويتابع نعناع: "طلب الكاظمي من الفياض تثبيت شاكر الخفاف بديلاً عن أحمد الجابري، وعدم الالتزام بتنصيب "أبو فدك" لـ "أبو ياسر الشيباني"، الذي ينتمي لكتائب حزب الله، ووعد الكاظمي الفياض بعدم إمضاء أيّ تعيين، أو توسيع للصلاحيات في الحشد إلا من خلاله، وذلك في محاولة لقطع الطريق على تعيينات وصلاحيات "أبو فدك المحمداوي"، الذي ظهر أنّه يعاني مشكلات في توسيع صلاحياته داخل الحشد الشعبي، وربما سيخسر دوره ونفوذه في صراع الإرادات، الذي يجري بينه وبين قيادات أخرى داخل الحشد من جهة، وبينه وبين مؤسسات الدولة، من جهة أخرى".

مستقبل الميليشيات وواقع الانتخابات العراقية

وبحسب موقع "الحرّة" الأمريكية؛ فقد أوضح مصدر مسؤول (رفض الإفصاح عن هويته)، أنّ الكاظمي زار مقرّ الحشد "من أجل تبرئة نفسه من الاتهامات التي وجهت إليه بشأن العقوبات الأمريكية"، وأضاف أنّ "الفياض، وبمجرد صدور العقوبات، بدأ حملة اتهامات، أبلغ خلالها قادة الحشد والميليشيات الموالية لطهران، أنّ الكاظمي هو المسؤول عن تزويد الجانب الأمريكي بمعلومات وتقارير، ساعدت في فرض العقوبات".

الباحث العراقي محمد نعناع لـ "حفريات": الكاظمي يريد من الفياض دوراً ينسجم معه، وأصرّ على تسلّم شخصيات مرتبطة به مناصب مهمة في الحشد الشعبي

ووفق المصدر ذاته الذي تحدث للموقع الأمريكي؛ فإنّ الفياض حذّر قادة الحشد، الموالين لإيران، من أنّ "الكاظمي يخطط لحلّ الحشد الشعبي، بعد أن تفرَض عقوبات متتالية على رؤوسه البارزة، الواحد تلو الآخر"، غير أنّ "الكاظمي، خلال زيارته غير المعلنة لمقر الحشد، أبلغ الفياض و"أبو فدك" وقادة آخرين، بأنّ هذا الكلام غير صحيح، وأنّه لا يوجد له دور في عملية فرض العقوبات".

ضغط قادة الحشد على رئيس الوزراء العراقي "خلال الاجتماع الذي استمرّ أكثر من ساعة كي يصدر موقفاً رسمياً برفض العقوبات، ويطلب إلغاءها، وبخلاف ذلك سيعدّونه متواطئاً وداعماً لها"، بحسب الموقع الأمريكي، لكنّ الكاظمي "حاول التهرّب من ذلك؛ لأنّه لا يريد أن يقع في مشكلة مع الجانب الأمريكي، في حال أعلن رفضه للعقوبات".

رسائل العقوبات ضدّ قادة الحشد

مطلع العام الحالي؛ أعلن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، التابع لوزارة الخزانة الأمريكية، فرض عقوبات ضدّ رئيس الحشد الشعبي في العراق، وهو التنظيم "المتطوّع، شبه العسكريّ، الذي اندمج كخدمة مسلّحة جديدة مدعومة من الحكومة، عام 2014"، كما يصفه معهد واشنطن.

اقرأ أيضاً: تركيا تقصف 8 مناطق شمال العراق بعد زيارة الكاظمي... تفاصيل

وقد تمّ إدراج فالح الفياض على القائمة السوداء، على خلفية انتهاكاته لحقوق الإنسان والفساد، بموجب الأمر التنفيذي 13818، في قانون "ماغنيتسكي" العالمي لحقوق الإنسان والمساءلة"، وهو ما سوف يترتب عليه "تجميد ممتلكات الأفراد المتورطين في تلك الانتهاكات".

اقرأ أيضاً: هل ينجح الكاظمي في تفكيك الميليشيات الإيرانية في بغداد؟

وفي نهاية العام الماضي، صرّح مستشار الأمن القومي الأمريكي الجديد، جيك سوليفان: بأنّ "إدارة بايدن ستقف ضدّ انتهاكات حقوق الإنسان أينما وقعت"؛ ولذلك، يرى المعهد الأمريكيّ؛ أنّ "تصرفات فياض تناسب إلى حدّ كبير إدراجه على القائمة السوداء، بسبب دوره في إطلاق النار الجماعي على المحتجين، وكذا الاحتجاز غير القانوني لبعض المتظاهرين، خلال احتجاجات تشرين الأول (أكتوبر) عام 2019، في العراق".

وتتّفق والرأي ذاته منظمة العفو الدولية، التي وثّقت مقتل قرابة 500 متظاهر في الاحتجاجات العراقية، فضلاً عن جرح الآلاف، كما تمّ اعتقال المئات بشكل غير قانوني، والذين تعرضوا لمعاملة سيئة.

ويشير معهد واشنطن إلى أنّ "فياض دعم السياسة التي أدت إلى استخدام قناصة الميليشيات الذخيرة الحيّة ضدّ المدنيين، وإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع مباشرة على رؤوس المتظاهرين، وهو ما خلق أبشع صور المظاهرات، وأكثرها رهبة عام 2019".

وألمح المعهد الأمريكي إلى أنّ "هذه الرسالة (أي فرض العقوبات) إنّما تأتي في الوقت المناسب، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات العراقية، في النصف الثاني من عام 2021، مما قد يمنح العراقيين الأمل في أن تعمل الولايات المتحدة، مع جهات فاعلة دولية أخرى، لضمان تصويت حرّ ونزيه. وفي الواقع؛ فإنّ الهدف الأساسي من إدراج فياض على القائمة السوداء ليس تغيير سلوكه، بل إظهاراً للسياسيين العراقيين الآخرين، ولقادة قوات الأمن، أنّ هناك تكلفة لدعم انتهاكات حقوق الإنسان والفساد الشبيه بالمافيا على أعلى مستويات الدولة".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية