الضربة العسكرية ضد سوريا واحتمالات فتح ساحة جديدة للإرهاب

الضربة العسكرية ضد سوريا واحتمالات فتح ساحة جديدة للإرهاب


15/04/2018

جرت الضربة العسكرية الأمريكية بمساعدة أوروبية من فرنسا وبريطانيا ضد سوريا فجر السبت 14-4-2018، كما توقعنا، وسط تسارع كبير للأحداث والتصريحات والتهديدات المتبادلة بين الأطراف الفاعلة في المشهد السياسي الذي لا يزال يتفاعل حتى لحظة كتابة هذه الأسطر. 

غير أنّ الصراع بين الأطراف الفاعلة من الدول لا يمثل كامل المشهد السياسي المعقد في سوريا اليوم؛ ذلك أنّ غير الفاعلة منها والممثلة بالجماعات الإرهابية وجماعات المقاومة المسلحة يبقى لها كلمة في تشكيل هذا المشهد خاصة عقب الضربة وتجلياتها سواء سلباً أو إيجاباً.

هل ستفتح الضربة ساحة جديدة للإرهاب في سوريا؟

هناك شبه إجماع بين خبراء الإرهاب في العالم بأنّ خطر الإرهاب لم ينته في الشرق الأوسط والعالم سواء من تنظيم القاعدة أو داعش، وأنّ خطر الإرهاب لم يزل ماثلاً ولم ينته بالقضاء العسكري على تنظيم داعش في سوريا أو العراق.
والضربة العسكرية "المحدودة" التي وجهتها أمريكا وفرنسا وبريطانيا، ستزيد من تعقيد الوضع، وربما ستفتح بوابة لجحيم الإرهاب مرة أخرى في سوريا وفي دول الجوار مثل؛ الأردن والعراق ولبنان؛ حيث ستستفيد الجماعات الإرهابية بشكل كبير من الفوضى والفراغ السياسي الذي سيعقب الهجوم، ما يمكنها من استعادة أنفاسها وإعادة التجمع مرة أخرى تحت عنوان جديد ودوافع جديدة للتجنيد والدعاية بحجة مقاومة التدخل العسكري الأمريكي الأوروبي في سوريا.

الضربة العسكرية ستزيد من تعقيد الوضع، وستفاقم من خطر الإرهاب في سوريا ودول الجوار مثل؛ الأردن والعراق ولبنان

والأخطر من ذلك أنّه ربما تظهر تنظيمات وجماعات إرهابية أخرى يدفعها ويحفزها العدوان الأمريكي الأوروبي. والتجارب في أفغانستان والعراق بعد التدخل الأمريكي – الأوروبي، ما تزال ماثلة حتى الآن وتشكل حاضنة لتفريخ التطرف العنيف والإرهاب العالمي.

ولعلّ تجربة ليبيا القصيرة والخطيرة التي أعقبت القضاء على نظام القذافي خير مثال حديث على ذلك، فقد شنّ أعضاء من "جماعة أنصار الشريعة الليبية" القريبة من تنظيم القاعدة التي نشأت عام 2012 مباشرة عقب نهاية نظام القذافي 2011، هجوماً إرهابياً -غير متوقع- على محطة المخابرات المركزية الأمريكية، والقنصلية الأمريكية في مدينة بنغازي ومقتل السفير الأمريكي جون كريستوفر ستيفنز  وثلاثة آخرين في ذكرى هجمات 11 أيلول 2001، بتاريخ 11  سبتمبر2012.

وقد بقي السبب الرئيس للهجوم محل سؤال إلى اليوم، حتى لدى الاستخبارية الأمريكية. هل هو رد فعل على مقتل حسن قائد، الاسم الحقيقي لأبو يحيى الليبي أو "يونس الصحراوي" وهو من مواليد 1963، ويعد أبرز المخططين الإستراتيجيين لتنظيم القاعدة، وأحد المطورين المؤثرين للجهاد على المستوى العالمي، وكان عضواً في اللجنة الشرعية للجماعة الإسلامية المقاتلة الليبية، التي ذهب أعضاؤها إلى أفغانستان للقتال ضد قوات الاتحاد السوفيتي العام  1979. وكان الرجل الثاني في تنظيم القاعدة بعد أيمن الظواهري الذي تسلم قيادة التنظيم بعد مقتل أسامة بن لادن، ودعوة زعيم القاعدة أيمن الظاهري الليبيين للانتقام لمقتله من قبل الأمريكان بطائرة دون طيار العام 2012  في الباكستان؛ أم رد فعل على فيديو على يوتيوب يصور النبي محمد، عليه السلام، بشكل سلبي.

ومهما كانت الأسباب والدوافع والذرائع فإنّها كانت تصب في النهاية في تعميق وتعظيم سرديات التطرف العنيف والإرهاب ضد السياسة الخارجية الأمريكية. التي ثبت أنّها كانت السبب الرئيس لموجات الإرهاب العالمي المعاصرة ضد أمريكا تحديداً.

إنّ العلاقة بين الإرهاب والسياسة الخارجية للدول علاقة إيجابية؛ بمعنى أنّه كلما زاد التدخل السياسي والعسكري الخارجي للدول في شؤون الدول الأخرى (خاصة الضعيفة) زاد خطر التطرف العنيف والإرهاب، وكلما شكل ذلك حافزاً ومحركاً لتشكيل المزيد من الجماعات والمنظمات الإرهابية، وزاد من خطر هجمات الذئاب المنفردة. وهناك الكثير من المؤشرات الإمبيريقية التي تؤكد ذلك.

العلاقة بين الإرهاب والسياسة الخارجية للدول إيجابية؛ فكلما زاد التدخل الخارجي للدول في شؤون غيرها زاد خطر الإرهاب

ومعلوم بأنّ السياسة الأمريكية الخارجية السلبية في العالم كانت من أسباب استهداف أمريكا بالعمليات الإرهابية على مدى تاريخها المعاصر خاصة في الشرق الأوسط .

لقد سبق، لمدير المخابرات المركزية الأمريكية جون برينان أن ذكر أنّ سياسة الولايات المتحدة الخارجية يمكن أن تحفّز الإرهاب؛ وذلك حينما اعترف في البرنامج التلفزيوني الأمريكي الشهير  "فيس ذا نيشن" في حزيران (يونيو) 2015  أنّ سياسة الولايات المتحدة الخارجية يمكن أن تسبب الإرهاب أحياناً.

وأضاف "علينا أن نعترف أنّ مشاركتنا وتدخّلنا المباشر أحياناً سوف تنشط وتحفز تهديدات إضافية لمصالح أمننا القومي".

ومعلوم لدى خبراء الإرهاب في العالم بأنّ ردة الفعل الانتقامية يمكن أن تحفز سيرورة الإرهاب وتمنحه مسوغات واسعة وفضفاضة من الذرائع والسرديات المختلفة. وأنّ محاولة الانتقام من أفعال الحكومة هي جزء من التعريف القانوني للإرهاب. وهو ما أتوقع حدوثه في سوريا إذا حدثت الضربة وانهار نظام الأسد ودخلت سوريا مرحلة فوضى ما بعد النظام.

وفي المثال الأمريكي فإنّ سياستها الخارجية سبب رئيس في الهجمات الإرهابية ضد الأمريكيين في الداخل والخارج ضد المصالح الأمريكية. والقانون الأمريكي يحدد أنّ محاولة الانتقام من أفعال الولايات المتحدة هي ما تجعل الشخص إرهابياً، سواء أكان ذئباً منفرداً أو جماعة أو منظمة.

للأسف الشديد نحن لا نقرأ التاريخ لنتعلم منه؛ بل نتأمله بأثرٍ رجعي لنضحك منه  أو نبكي منه وعليه، وهو الأرجح.

وبالضربة العسكرية لسوريا والاحتمالات المفتوحة على المزيد من الفوضى واحتمالات بروز موجة جديدة من التطرف العنيف والإرهاب، يبدو أننا سنظل نبكي من التاريخ.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية