السودان وحكم "الإخوان"... علاقة متوترة مع بريطانيا (6- 6)

السودان وحكم "الإخوان"... علاقة متوترة مع بريطانيا (6- 6)

السودان وحكم "الإخوان"... علاقة متوترة مع بريطانيا (6- 6)


21/04/2024

حامد الكناني

يستعرض تقرير وزارة الخارجية البريطانية المرسل في التاسع من نوفمبر (تشرين الثاني) 1990 إلى السفارة البريطانية في الخرطوم، تفاصيل اجتماع وزير الخارجية البريطاني مع السفير السوداني لدى لندن الرشيد أبو شامة، حول قلق المملكة المتحدة إزاء تصريحات لمدير الاستخبارات العسكرية السودانية حينها، بدا فيها متعاطفاً مع العراق، ولوح باحتمال اندلاع تظاهرات أو وقوع عمليات إرهابية ضد التجمعات الغربية في السودان نصرة لبغداد. وجرت خلال الاجتماع أيضاً مناقشة الصعوبات التي واجهها البريطانيون المنتظمون في عمليات الإغاثة والمساعدات الإنسانية في السودان.

جاء في التقرير أن روبرت فيرويذر أعرب للسفير السوداني أبو شامة عن استيائه من الإشعار الصحافي الصادر عن السفارة السودانية في السادس من نوفمبر. وكانت وزيرة أفريقيا والتنمية الدولية في الحكومة البريطانية حينها ليندا تشالكر، متفاجئة للغاية من إجراء السفارة بالنظر إلى أن بريطانيا قد أعلنت للتو عن مزيد من المساعدات للسودان. وبحسب تشالكر "لم تكن السلطات السودانية صريحة حول مدى المجاعة في البلاد وغير مفيدة في تعاملها مع مختلف وكالات الإغاثة".

وبحسب الوثيقة، ثمة نقص واضح في تعاون السلطات بالخرطوم مع أولئك الذين يحاولون مساعدة السودان، خصوصاً المنظمات غير الحكومية، إذ طرد ممثل منظمة "أوكسفام" البريطانية من البلاد، ويواجه ممثل المفوضية الأوروبية الذي كان بريطانياً أيضاً المصير ذاته، فكانت لندن تأمل في أن تعيد حكومة السودان النظر بهذه القرارات.

وتظهر الوثيقة ذاتها أن موقف السودان من عمليات الإغاثة والمساعدات كان غير مفهوم بالنسبة إلى بريطانيا، لكن أبو شامة أعرب عن أسفه العميق للبيان الصحافي الذي صدر عن سفارته في هذا الشأن، وقال إن مصدره عوقب ويعتبر البيان بحكم الملغي. ولفت كذلك إلى أنه لم يكُن على اطلاع في شأن طرد روبرتس، لكنه يعتقد بوجود سبب لذلك. فالسودان على حد تعبيره، لديه تاريخ مع المنظمات غير الحكومية التي تجاوزت اختصاصها وساعدت المتمردين في الجنوب، وعلى رغم ذلك تعهد أبو شامة بنقل قلق حكومة الملكة إلى الخرطوم.

نقل مخيمات النازحين

وفق التقرير، أثار فيرويذر مع السفير السوداني أيضاً قضية نقل مخيمات النازحين، كمثال آخر على رفض السودان الاعتراف بحجم المشكلات التي يواجهها ووضع العقبات في طريق المنظمات غير الحكومية، فتدمير تلك المخيمات "خلق انطباعاً سلبياً جداً". وأبو شامة لم يكُن على علم بهذا الأمر أيضاً، وقال إنه يجب أن تكون هناك أسباب أمنية وجيهة لنقل الناس من المخيمات، مشيراً إلى أن الشرطة السودانية اضطرت أحيانا كثيرة إلى تسوية الخلافات بين القبائل واللاجئين.

استدعى فيرويذر مثالاً آخر على ما أسماه "عراقيل السلطات في الخرطوم"، وهو قرار فرض شراء الوقود من مراكز محددة، لافتاً إلى حق السلطات في تقرير كيفية توزيع الوقود في السودان، لكن القرار أثر في تعقيد عمليات السفارات والمنظمات غير الحكومية، بخاصة تلك العاملة في مجالات الإغاثة.

في رده، أصر أبو شامة على أن حكومة السودان مستعدة للتعاون الكامل مع جميع الجهات المانحة للمساعدات، خصوصاً بريطانيا والمفوضية الأوروبية، ولكن من الأفضل أن يكون التعاون محكوماً باتفاق مكتوب كما كانت الحال في عملية "شريان الحياة". فالاتفاق المكتوب يوفر ضمانات للجميع ويساعد على تجنب الحوادث غير السارة، لكن فيرويذر كان له رأي مختلف ووصف الأمر بـ"وصفة للتأخير البيروقراطي" في حين يحتاج الأمر إلى قدر أكبر من المرونة وتسريع وصول المعونة لمن يحتاج إليها.

حماية الجاليات الأجنبية

 في العنوان الثاني للاجتماع مع السفير السوداني في لندن، لفت فيرويذر إلى ملاحظات مدير الاستخبارات العسكرية السودانية حينها محمد الدابي، وأعرب عن القلق البالغ لحكومة جلالة الملكة حيال تهديد التجمعات الغربية في السودان، سواء عبر التظاهرات أو الأعمال الإرهابية. وسعى فيرويذر إلى تأكيد رسمي من أبو شامة حول التعاون الكامل للسلطات السودانية في جهود حماية الرعايا والمصالح البريطانية. فأعرب السفير السوداني عن أسفه في شأن تصريحات الدابي، وشدد على أن سلامة الجاليات الأجنبية مسؤولية حكومة الخرطوم.

وسأل السفير إن كانت تصريحات الدابي وراء التوصية بإجلاء العائلات البريطانية من السودان، فأوضح فيرويذر خلفية القرار وأضاف أن ما صدر عن الدابي أكد أن الخطوة صحيحة تماماً، لكنه شدد على ضرورة ألا ينظر إلى القرار على أنه علامة عداء للسودان. فانتهى الاجتماع بإشارة أبو شامة إلى أن المراسلات والتصريحات المتبادلة حول عملية الإجلاء تركت انطباعاً سيئاً بين أروقة الدوائر الحكومية في الخرطوم، ومن الضروري العمل بجد للتغلب على الصعوبات الحالية.

في برقية أرسلتها إلى لندن بتاريخ الـ13 من يناير (كانون الثاني) 1993، استعرضت السفارة البريطانية في الخرطوم بصورة موجزة ردود الفعل الشعبية والرسمية في السودان تجاه أزمة العراق مع المجتمع الدولي وما نتج من غزو الكويت في الثاني من أغسطس (آب) 1990. فتشير السفارة إلى المستوى المتزايد للتعاون العراقي- السوداني وما تمخض عن زيارة وزير النفط العراقي ووفد الاتصالات إلى الخرطوم، وزيارة وزيري الإنشاء والمالية السودانيين والمدير العام للوكالة السودانية للأنباء إلى بغداد.

وتوضح السفارة البريطانية في الخرطوم أن اتفاقات تعاون عدة أبرمت خلال زيارات المسؤولين من البلدين، وبحسب وكالة السودان للأنباء (سونا) تم التوصل إلى اتفاق يقضي بأن يساعد العراق المشاريع الزراعية والصناعية والخدمية في السودان بعد رفع العقوبات عنه، وحتى ذلك الوقت سيتم إنشاء مكتب فني عراقي دائم في السودان.

وتلفت البرقية إلى أن السفارة البريطانية استشارت نظيرتها الأميركية في الخرطوم التي تراقب كل ما يحدث، ولكنها لا تشعر بقلق بالغ إزاء إمكان انتهاك السودان للعقوبات المفروضة على العراق في الوقت الحاضر، منوهة إلى أن ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في الخرطوم أوضح أن السودانيين متعاونون للغاية في السماح بتفتيش رحلاتهم الجوية إلى بغداد، لكنه أضاف أن ليست لديه طريقة لمعرفة ما إذا كانت الطائرة تهبط في نقطة متوسطة بين الخرطوم وبغداد.

وجاء في البرقية أيضاً أن العراق يبذل جهوداً لبناء علاقات مع السودان، على رغم أن قدرته على تقديم المساعدة المادية محدودة بصورة واضحة في الوقت الحاضر بسبب عقوبات الأمم المتحدة، مشددة على أن تحذيراً أدرج في كل اتفاق بين الطرفين من أنه لن يصبح سارياً إلا بعد رفع العقوبات عن بغداد. وهذا يشير برأي السفارة إلى أن السودانيين حساسون تجاه الاتهامات الأممية المحتملة بخرق العقوبات.

رد الفعل السوداني

وتقول السفارة البريطانية في الخرطوم أن رد الفعل الرسمي على عملية التحالف الدولي، كان منخفضاً نسبياً، إذ إن البيان الوحيد من الحكومة صدر عن رئيس مجلس قيادة الثورة عمر البشير الذي تحدث عن حزنه بسبب العدوان واشمئزازه من دور الأمم المتحدة في الشؤون الدولية، ولفت خلال مؤتمر صحافي إلى أن السودان كان يتوقع رفع العقوبات عن العراق، وأجرى مقارنات مع نشاط الأمم المتحدة في ما يخص اللاجئين الفلسطينيين من جهة وقضية البوسنة/ هيرزيغوفينا من جهة أخرى.

البيان الآخر الوحيد الذي أشارت إليه السفارة البريطانية في الشأن نفسه، أصدرته وكالة أنباء السودان، وأوضحت السفارة للمسؤولين في لندن أن الزعيم حسن الترابي لم يعلق على العملية بصورة شخصية أو عبر منظمته، المجلس الشعبي الإسلامي العربي، وكذلك فإن خطب الجمعة خلت من أي انتقادات حادة للتحالف الدولي.

وتكمل السفارة في برقيتها أن التغطية الصحافية حول عملية التحالف كانت واسعة النطاق، ولكن التعليقات "أقل عدوانية" مما كانت عليه خلال أزمة الخليج. وهناك انتقادات شخصية للرئيس الأميركي جورج بوش المتهم بتنظيم العملية للتأكد من أن الرئيس المنتخب بيل كلينتون ليس لديه خيار سوى اتباع سياساته الخارجية الأميركية.

وتشير البرقية ذاتها إلى مقالة نشرت في صحيفة "ذا غارديان" تتحدث بوضوح عن الألم والمعاناة اللذين سببتهما المعايير الغربية المزدوجة. وهناك أيضاً غضب كبير واسع النطاق عبر وسائل الإعلام في شأن عملية الحلفاء بسبب قوتها مقارنة بالنقص الملحوظ في نشاط الأمم المتحدة تجاه إسرائيل والبوسنة. وعلى عكس حرب الخليج، لم يشهد السودان أي دعوات إلى تظاهرات شعبية حتى الآن، على رغم أن السفارة تدعو البريطانيين هنا إلى الحرص وتعزيز الأمن الشخصي في ضوء التوترات الحالية.

وتلفت البرقية إلى أن هناك وجهة نظر عامة، حتى بين أنصار الجبهة الإسلامية، مفادها بأن صدام أخطأ مرة أخرى في تقدير الموقف وتسبب في الهجوم على نفسه، مشيرةً أيضاً إلى رد الفعل الهادئ للمؤسسة السياسية السودانية. ومع ذلك، هناك جهود متضافرة تبذلها حكومة السودان لأسباب مختلفة لتحسين صورتها الدولية وعلاقاتها مع الغرب. ونظراً إلى عدم وجود تعاطف حقيقي مع صدام، فإننا نعتقد بأن النظام ربما لا يرغب في تعريض هذه الجهود للخطر من خلال تقديم الدعم بصورة صاخبة للعراق في الوقت الحاضر.

عن "اندبندنت عربية"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية