السعودية في 2018: مملكة التفاصيل الصغيرة

السعودية

السعودية في 2018: مملكة التفاصيل الصغيرة


07/01/2018

منذ سنتين، على الأقل، والحديث عن الإصلاحات والتغيير والتحولات في بنية المجتمع والسلطة والاقتصاد هو الحديث الأبرز في المملكة العربية السعودية. لكن عام 2018 في السعودية سيكون مختلفاً؛ حيث سيشهد تنفيذ قفزات وتعديلات عدة، هي في صُلب "رؤية 2030" التي أعلن عنها ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، في 2016. وفي حين اعتبرت شبكة "سي إن إن" بأنّ الحياة في السعودية ستبدو مختلفة جداً في عام 2018، رأت مجلة "المجلة" أنّ العام الحالي سيكون سعودياً بامتياز؛ ففيه سيُدشِّن وليُّ العهد مملكةَ التفاصيل الصغيرة...من مكافحة الفساد إلى تمكين المرأة، على حدّ تعبير المجلة.

سابقة سعودية: اقتصاد "المعنى"

وقالت "المجلة" في عددها الأخير، وفي تقرير تصدّر الغلاف وكتبه الزميل يوسف الديني، إنّ الجديد في الرؤية السعودية هي أنها تجاوزت الفصل بين التنمية الاقتصادية ودوافعها الفكرية وقاعدتها السياسية والثقافية. وفي الرؤية الجديدة، تم إطلاق عدد من المشاريع التنموية التي لم تنبتْ كأطروحات مالية أو تحليلات اقتصادية مفرغة من سياقاتها الفكرية؛ بل تمّتْ إضافة "المعنى" لها؛ في سابقة سعودية. وتشرح المجلة ذلك بقولها إنّ الخطط التنموية السعودية السابقة كانت تعتمد على "التمحور حول الاقتصاد وتسريع عجلته مع البقاء في السياق التحديثي في إطاره المحافظ وحده الأدنى، الذي لم يعد صالحاً للتكرار في ظل المعطيات الجديدة: أجيال شابة وطموحات كبيرة، واقتصاد السوق العالمية، ودخول مجموعات كبيرة من الشباب والفتيات من المواطنين (السعوديين) إلى سوق العمل قادمين من تجارب ابتعاث، ومسلحين بأحدث ما وصلت إليه الجامعات العالمية من معارف وتطبيقات حديثة." وتردف المجلة قائلة: إنّ جذر "رؤية 2013" الأساسي يتمحور حول نقل اقتصاد السعودية (من اقتصاد ريعي) إلى اقتصاد متنوع وحيوي ومتجاوز لـ"إدمان النفط".

ضد "نهاية الزمان"

في هذه التجربة التنموية الجديدة، تمّ تدشين خطاب تحديثي جديد أكد محاربة التطرف وملاحقة منتجيه ومصدريه، باعتباره أحد أكبر عوائق المسار التنموي، وأكثر المهددات لأمن الأوطان واستقرارها. هذه الإضافة، تتابع المجلة، كانت صادمة للمراقبين لـ"رؤية 2030" في الداخل والخارج، حيث لم يتم الاعتياد على هذا القدر من المواجهة والصراحة في التعاطي مع حساسية الشأن السياسي المتقاطع مع الديني، لكن اللحظة الفارقة هي إعادة الأجيال الجديدة إلى ذاكرة قريبة، وهي 1979، حين بلغ التأزم والتشدد الديني أقصى حدوده باقتحام الحرم المكي وقبلة المسلمين (من قبل جماعة جهيمان المتطرفة) بدعوى "المَهدوية" و"نهاية الزمان"، الذي هو في معناه الرمزي "نهاية المستقبل" والانسداد التاريخي، ومن هنا فإنّ التذكير بهذه اللحظة لم يأتِ باعتبارها نقطة فاصلة في التاريخ السعودي الحديث فحسب، بقدر دلالاتها المكثفة على أنّ من يريد تعطيل المستقبل وادعاء نهاية الزمان السعودي لا مكان له في الرؤية الجديدة. وتضيف المجلة: "في السعودية الجديدة تم طي صفحة مهمة من الوصاية التي دشنها الفكر المتطرف، منذ ترسخ مفهوم الدولة ومؤسساتها، عبر انحيازه لمربع المعارضة لمسيرة التنمية والتطور، بشعارات أيديولوجية ذات صبغة دينية متشددة. واليوم يقطف السعوديون ثمرة تحولاتٍ كلّفتهم الكثير، إلا أنّ المآلات ذات الكُلفات الثمينة عادة ما تثمر رغبة ملحة في القطيعة مع مرحلة صعود الإسلام السياسي في المنطقة، وليس في الخليج أو السعودية فقط، وتحوله إلى مشروع دولة داخل الدولة".

اعتدال يدعم التنمية

الاعتدال الفكري والتسامح الديني في الرؤية السعودية الجديدة ليس خياراً أو مجرد شعارات دعائية أو رسائل للخارج؛ بل مطلب ملحّ لمنع العوائق ضد مشاريع التنمية المقبلة التي تتطلب تحرير الفرد السعودي من قائمة طويلة من الملفات العالقة في التشابك الديني السياسي والاقتصادي في خطابنا المعاصر، والتي لا تخرج عن كونها موضع اجتهاد يقابله اجتهاد مثله.

إصلاح اقتصاد بحجم اقتصاد السعودية يشبه تحريك حاملة طائرات وربما ليس من الحكمة أخذ انعطافات سريعاً

ولتأكيد الجانب العملي لضرورة التسامح والاعتدال الفكري دشن العاهل السعودي الملك سلمان سريعاً مركز "اعتدال" العالمي لمكافحة التطرف في قلب العاصمة السعودية (الرياض)، وبإجماع للدول التي تعبر عن خط الاعتدال السياسي، في مقابل نزعات التدخل السيادي وبناء ميليشيات وأحزاب مؤدلجة على طريقة الدولة داخل الدولة، ليعمل المركز على ترسيخ خطاب متسامح، في الوقت ذاته الذي يلاحق مصادر التلقي والإعلام المتطرف عبر مشاريع فكرية وإعلامية ورقمية، تستلهم من آخر التجارب العالمية في نطاق التقنية والمعلومات.

التفاصيل الصغيرة

من جانبه، يرى سام بلاتيس الرئيس التنفيذي لشركة "MENA Catalysts" لاستشارات السياسة العامة بالمنطقة، في تصريحات لشبكة "سي إن إن" الأمريكية، أنّ "العديد من التغيرات الحكومية السعودية في الطريق منذ فترة طويلة"، مضيفاً أنّ "إصلاح اقتصاد بحجم اقتصاد السعودية يشبه بدرجة كبيرة تحريك حاملة طائرات، وربما ليس من الحكمة أخذ انعطافات سريعاً". وفي مقاربتها للتفاصيل وقفزات التغيير التي من المفترض أن تكون المملكة على موعد معها في 2018، تشير "سي إن إن" إلى أنّ المملكة سوف تُصدر أول تأشيرات سياحية في 2018، وهي بدأت مع الشهر الجاري برفع أسعار الوقود، وسيتم إنشاء دور عرض تجارية للأفلام السينمائية هذا العام، إذْ من المتوقع أن تفتح أولى السينمات أبوابها في آذار (مارس) المقبل.

السعودية ستُصدر أول تأشيرات سياحية في 2018 وسيتم إنشاء دور عرض تجارية للأفلام السينمائية هذا العام

وبالنسبة لحظر قيادة السيارة على المرأة في السعودية، فإنّ من المقرر أنْ يُرفع عملياً وبشكل نهائي في حزيران (يونيو) المقبل، كما سوف يسمح للنساء بدخول 3 ستادات كبرى في مدن رئيسية، إذ أعلنت الهيئة العامة للرياضة في السعودية، في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، أنّ 3 من أكبر من الستادات في المملكة سوف تفتح أبوابها للعائلات أوائل 2018. ولفتت الشبكة الأمريكية الأنظار إلى أنّ "قيود الفصل بين الرجال والنساء في السعودية بدأت تخفّ ببطء، إذ كان بإمكانهم الجلوس سوياً في حفلات موسيقية وفعاليات عدة في 2017". وأكدت "سي إن إن" إعلان المسؤولين السعوديين أنهم يخططون لطرح جزء صغير من أسهم "أرامكو" للاكتتاب في 2018، وإذا حدث ذلك، فسيكون أكبر طرح في سوق الأسهم بالتاريخ. ويقول مسؤولون إنهم يتوقعون تقدير قيمة "أرامكو"، أكبر شركة نفط بالعالم، بنحو 2 تريليون دولار، وبيع 5% فقط من أسهم الشركة سوف يعادل 100 مليار دولار.

 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية