الرسائل المصرية الحاسمة إلى قوى النزاع في ليبيا

الرسائل المصرية الحاسمة إلى قوى النزاع في ليبيا


23/06/2020

 

الرسائل التي حملها خطاب الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، أثناء زيارته للمنطقة العسكرية الغربية المتاخمة للحدود مع ليبيا، السبت الماضي، كشفت عن ثوابت رئيسة ومحددة فيما يخص المسألة الليبية لدى العقل السياسي المصري، ورؤيته الإستراتيجية والأمنية في النزاع الليبي المحتدم؛ حيث استكمل السيسي رؤيته التي أطلقها في سياق مبادرته الأخيرة للحل السياسي، واستهدف من خلالها وقف تصعيد العمليات الميدانية، وكذا، تفكيك الميليشيات العسكرية كحالة أمنية وسياسية، كما أكد على أهمية الاستقرار في ليبيا، وربطه بالأمن الإقليمي والعربي، مؤكداً على جاهزية المؤسسة العسكرية المصرية لحماية حدودها، والأمن القومي، داخلياً وخارجياً.

قوة الخطاب.. مصر في المواجهة

بيد أنّ الرئيس المصري لفت إلى "خط أحمر"، تمثل في منطقتي سرت والجفرة الليبيتين، بينما حذر من الاقتراب منهما أو تجاوزهما، مما يستدعي تدخلاً عسكرياً مباشراً، لجهة حماية الأمن العربي والإقليمي، وهو ما ترافق مع قوة الخطاب وحدة اللغة التي استعان بهما لتوجيه رسائله إلى القوى الإقليمية المنخرطة في الصراع، لا سيما، تركيا، وذلك دون أن يسميها، بشكل مباشر، بينما قصد أن يكون حديثه في قلب المنطقة العسكرية المتاخمة للحدود الليبية، حيث كان يتفقد وحدات الجيش المصري.

 

 

 

تزامنت كلمة الرئيس المصري مع زيارة يقوم بها فائز السراج، رئيس حكومة الوفاق، المدعومة من تركيا، إلى الجزائر، حيث رفض الأخير المشاركة في الاجتماع الافتراضي للجامعة العربية الذي دعت له القاهرة، وعليه، أوضح السيسي في خطابه، قبل يومين، أنّ التدخل المصري في ليبيا "باتت تتوافر له الشرعية الدولية"، وأكد على أنّ "الجاهزية والاستعداد القتالي للقوات المصرية صار أمراً ضرورياً وحتمياً في ظل حالة عدم الاستقرار والاضطرابات التي تسود منطقتنا".

 

 

الموقف المصري كان حاداً وواضحاً لأن التقدم إلى منطقة سرت سيعني السيطرة على الفضاء الليبي كله

 

واعتبر السيسي أنّ من بين أهداف التدخل، هو تأمين وحماية الحدود الغربية للدولة المصرية، ووقف إطلاق النار بين الأطراف المتنازعة في ليبيا، فضلاً عن إطلاق مفاوضات التسوية السياسية.

ثمة نقطة أساسية ارتكز عليها الرئيس المصري، تمثلت في أنّ استدعاء الخيار العسكري، والتعامل الخشن، أمر غير مستبعد، وسيناريو قائم طالما فشلت السبل الأخرى، في خلق أفق سياسي تفاوضي وبناء حلول سلمية، حيث قال: "نقف أمام مرحلة فارقة تتأسس على حدودنا، فهناك تهديدات مباشرة تتطلب التكاتف والتعاون، ليس فيما بيننا فقط وإنما مع أشقائنا من الشعب الليبي والقوى الصديقة للحماية والدفاع عن بلدينا ومقدرات شعوبنا من العدوان الذي تشنه الميليشيات المسلحة الإرهابية والمرتزقة بدعم كامل من قوى تعتمد على أدوات القوة العسكرية".

ليبيا ترحب بموقف القاهرة

ومن جانبه، قال مدير إدارة التوجيه المعنوي في الجيش الوطني الليبي، العميد خالد المحجوب، إنّ مصر هي الشريك الحقيقي لتحقيق الأمن في ليبيا وليست تركيا، مضيفاً أنّ "مصر واعية لخطورة التدخلات الخارجية في ليبيا والتهديدات الإرهابية، خاصة، تركيا التي تسعى لتحقيق أهداف اقتصادية من تدخلها في ليبيا"، لافتاً إلى أن "أعداد المرتزقة تزايدت بشكل كبير في ليبيا لدعم تنظيم الإخوان".

 

 

 

وبينما أعلن الرئيس المصري عن استعداده لمساعدة القبائل الليبية، وتدريب شبابها، وتجهيزهم العسكري والفني، بالإضافة إلى تسليحهم بواسطة زعماء القبائل، والذين سوف يتقدمون جنباً إلى جنب في حال التحرك العسكري المصري، فقد دعمت القبائل الليبية موقف مصر، كما وصفت الوجود التركي بـ"الاحتلال"، مؤكدين أنّ التدخل العسكري المصري في ليبيا لا يشبه الدور التركي المشبوه، إنما الأول يعد بمثابة واجب تفرضه الاتفاقات العربية، والأواصر المشتركة.

اقرأ أيضاً: لماذا يزعج تركيا التقارب المصري – اليوناني؟

وبحسب بيان صادر عن مجلس قبائل ترهونة، عشية خطاب السيسي، فإن "تدخل مصر في الشأن الليبي هو تدخل مشروع وفق معاهدة الدفاع العربي المشترك، ووفق ما شهده التاريخ الليبي المصري من الوقوف صفاً واحداً ضد العدو الأجنبي عبر التاريخ، سواء في جهاد الليبيين ضد الطليان، أو ما قدمته ليبيا من دعم قوي لشقيقتها مصر في حرب أكتوبر".

 

 

الدكتور مختار غباشي لـ "حفريات": خطاب الرئيس المصري كان موجهاً لقوة إقليمية أساسية، هي تركيا باعتبارها المؤيد الأكبر لفائز السراج

 

وأردف البيان: "مصر تتدخل اليوم ونحن نتعرض لاستعمار تركي يسعى إلى السيطرة على مقدراتنا، ونهب ثرواتنا، وتفكيك النسيج الاجتماعي، وإحياء الإرث العثماني، علاوة على تحويل ليبيا إلى حاضنة للإرهاب والمرتزقة والدواعش، وإطالة حكم الميليشيات التي لا يمكن أن تصدر الخير والسعادة لليبيين مهما طال بها البقاء أو تهيأت لها الظروف".

سرت.. نهاية الدور التركي

وإلى ذلك، تمثل سرت، الواقعة في منتصف الساحل الليبي، أهمية إستراتيجية قصوى من الناحيتين السياسية والاقتصادية، وذلك بالنسبة لمصر كما لعدد من الدول الاخرى غيرها، مثل روسيا وفرنسا؛ إذ إنها تشكل شرياناً حيوياً يربط امتدادها الساحلي مع مدينة بنغازي، بطول 350 كيلومتراً، حيث تقع العديد من خطوط الغاز، ومحطات النفط، ومرافق التخزين، والمصافي.

اقرأ أيضاً: لماذا ترغب الوفاق في التصعيد العسكري بليبيا رغم تحذيرات مصر؟

كما أنها تعد أحد المداخل الرئيسة من الناحية الغربية لـ "الهلال النفطي"، الذي يمثل أكثر من 60 % من صادرات ليبيا النفطية، بينما تؤمن المدينة الساحلية الطريق إلى موانئ مهمة على الساحل الليبي، مثل السدرة، والبريقة، حيث يتواجد نحو 11 خط نفط و3 قنوات غاز.

وفي السياق ذاته، دانت فرنسا، خلال منتصف الشهر الجاري، الدور العسكري التركي، بسبب ما وصفته بتنامي "عدوانيتها" في ليبيا، وانتهاك حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة، بينما طلبت عقد اجتماع للناتو لوضع حد لهذه المسألة، حيث وصف وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، موقف تركيا بأنه "يشكل خطراً على أنفسنا وخطراً إستراتيجياً غير مقبول لأنها تبعد 200 كيلومتر و124 ميلاً عن الساحل الإيطالي".

 

 

 

وفي تعليقه على التطورات المتسارعة في الملف الليبي، قال لـ "حفريات" الدكتور مختار غباشي، نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والإستراتيجية، إنّ خطاب الرئيس المصري، كان موجهاً لقوة إقليمية أساسية، وهي تركيا باعتبارها المؤيد الأكبر لفائز السراج، كما أنها تلعب في الساحة الليبية دوراً خطيراً ومزعجاً من خلال العناصر المسلحة التابعة لها، خاصة، وأن هناك موقفين من دول الجوار الليبي، ممثلين في الجزائر وتونس، يدعمان ظاهرياً الحل السياسي السلمي، بينما عملياً يقفان وراء حكومة فائز السراج، المدعومة من تركيا، ومن ثم، فإنّ اصطفافهما مع استئناف العمليات العسكرية.

اقرأ أيضاً: أطماع تركيا وحقوق مصر: الفرق بين الاحتلال وحماية المصالح

ويضيف: "الموقف المصري كان حاداً وواضحاً؛ لأنّ التقدم إلى سرت بعد السيطرة على المدن الست المهمة في ليبيا، سيعني السيطرة على الفضاء الليبي كله، ومدينة سرت تحديداً، تعني الهيمنة على النفط، وبالتالي، فإنّ المدن الأكتر تأثيراً والحدود الإستراتيجية المؤثرة سياسياً وإقتصاديا وعسكرياً في ليبيا ستصبح في قبضة تركيا، وهو ما لن تقبله القاهرة بحال، لذا، فإنّ الحديث المصري وضع خطاً أحمر على ما يمثل تهديداً مباشراً على أمنه القومي والأمن الإقليمي؛ إذ إنّ حدود مصر الغربية مع ليبيا تمتد لنحو 1200 كيلومتر، وبالتالي، لن تترك القاهرة وقوع تقدم عسكري لهذه الناحية في ظل عدم التوافق والخلاف مع أنقرة".

وبحسب نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والإستراتيجية، فإنّ السيطرة على سرت التي تشكل غرفة عمليات أساسية لقوات الجيش الليبي، بالإضافة إلى أنها تربط بين مناطق شرق ليبيا وغربها، ستمثل خطورة هائلة على مصر، بوجه عام، والوضع الليبي، بوجه خاص؛ لأنها ستفتح الطريق للوصول إلى الموانئ النفطية في منطقة الهلال النفطي، شرق ليبيا، والسيطرة عليها، ناهيك عن وجود ميناء ومطار مهمّين بالمدينة، يعتبر كل منهما من المنافذ الحيوية لها، كما تتواجد قواعد عسكرية مهمة؛ مثل، قاعدة القرضابية الجوية، والتي تبعد عن جنوب سرت 16 كيلومتراً، وقاعدة الجفرة الجوية أيضاً وهي من أكبر القواعد العسكرية الليبية.

 

 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية