الجهاد وحماس.. جدلية الاندماج

الجهاد وحماس.. جدلية الاندماج


27/08/2022

فتحي أحمد

التقارب الأيديولوجي بين حركتي حماس والجهاد الإسلامي المتمثل في العقيدة والدستور، دفع بعض الأصوات المعزولة الصادرة عن جهات متفرقة للمطالبة بدمج الحركتين في حركة واحدة لمواجهة الاحتلال، خصوصا في ظل الحصار المضروب على قطاع غزة.

بينما في الواقع هنالك الكثير من العقبات التي تقف سدا بينهما وتحول دون دمجهما، منها انفراد حركة حماس بالقطاع، وتسيدها قرار الحرب وقرار السلم.

ومع أن الحركتين خرجتا من رحم الإخوان المسلمين، إلا أن حماس ركزت بالدرجة الأولى ومنذ البداية على ترميم الشخصية الإسلامية، وذهبت حركة الجهاد إلى تحرير الأرض قبل الإنسان عملا بأولوية الجهاد.

هذا لم ينس حركة الجهاد أن تعمل أيضا على صقل الشخصية الإسلامية، وإن كانت أهمية ذلك تأتي في مرحلة متأخرة بعض الشيء. وتبقى حاجة الجهاد إلى حماس كطرف مقاوم له حضوره العسكري والسياسي، وهو ما يتطلب أن يكون التنسيق بينهما على أعلى المستويات، وإن كان لا بد من وجود تباين في القناعات. ويدرك الطرفان أن التطابق في الرؤى والطريقة المتبعة لتحقيقها ليستا سنة من سنن الكون.

دخلت حماس الحكم، بعد أن عارضت ذلك طويلا، إثر دخول السلطة للأراضي الفلسطينية، وكانت قد رفضت الانتخابات بحجة أن إجراءها والدخول فيها هو من تبعات اتفاق أوسلو الذي رفضته بداية الأمر. لتعود بعد ذلك وتدخل الانتخابات التشريعية التالية عام 2006 بكل قواها.

هذا النهج الذي وصفته حماس بـ”التكتيكي” زاد من تباعد وجهات النظر بين حركتي الإسلام السياسي الفلسطيني. وحافظت حركة الجهاد على ثبات موقفها من أوسلو، ولم تتغير حتى الآن، رغم أن قيادة الحركة حافظت على شعرة معاوية بين قطبي رحى الحركتين، في البرامج الفكرية والأخذ بالإسلام منهج حياة ودستور.

بينما من وجهة نظر حماس فإن دخول الانتخابات التشريعية هو تكتيك إستراتيجي يفضي إلى بناء الإنسان والمؤسسات، التي اعتبرتها وسيلة من وسائلها للتخلص من الاحتلال. ولطالما اعتبر هذا التوجه قفزة نوعية في فكر حماس وإعادة صياغته بما يتلاءم مع المرحلة وسياستها، خصوصا بعد الربيع العربي.

 بعض المراقبين يرى أن حماس كانت تبحث عن مكاسب سلطوية ومطامع دنيوية زائلة. وهذا ما يبقي دعوات الاندماج بين الجهاد وحماس محدودة، بسبب الاختلاف في الطريقة والمنهج السياسي. ورغم ما اتفق عليه من بروتوكولات تنظم العلاقة بين الطرفين، إلا أن الخلاف العميق بينهما وغير الظاهر على السطح، يبقى حائلا دون دمج الحركتين.

ويحاول كلا الطرفين أن يثبت في الساحة الفلسطينية والعربية أن طريقته في إدارة الأزمة وفك الحصار المفروض على غزة وتحرير فلسطين هي الأنجع. حماس تناور أكثر، فهي تخوض القتال حينا، وحينا آخر تهادن وتجنح للسلم. بينما على النقيض تنتهج الجهاد طريق المقاومة أسلوبا، وتعقد الهدن من خلال أطراف وسيطة.

أما على صعيد المد الإيراني وتأثيره على الحركتين، نجد أن الراحل فتحي شقاقي، مؤسس حركة الجهاد الإسلامي، قد ركز كل جهده على الأخذ من الخميني وفلسفته الثورية، ويلاحظ في أعماله الفكرية “رحلة الدم التي هزمت السيف”.

بدأ الشقاقي رحلته السياسية ناصري الفكر والمنهج، وسرعان ما تحول إلى إسلامي. وهنا تأتي المفارقة بين انغماس حركة الجهاد بالفكر السياسي الإيراني، وبين حماس التي لم تتأثر بذلك كما تأثرت الجهاد.

بعد الربيع العربي اختلف الوضع، وباتت حماس خارج الحاضنة الإيرانية، رغم بقاء البعض من عناصرها. لكن هذا لا يغير من موقف إيران تجاه حماس بعد الربيع العربي، ورفض حماس لسياسة بشار الأسد في سوريا. وحصلت حركة الجهاد على الدلال كله وفازت بقصب السبق، وهي ما زالت تستقي سياستها من هناك فضلا عن الدعم المالي الذي لم يتوقف يوما.

وتحاول حماس أن تستأنف الحصول على دعم مالي من إيران لتحافظ على وضعها كقوة مسيطرة، وصاحبة القول الفصل في حكم غزة. كما تسعى الحركة لتحسّن علاقتها مع الولايات المتحدة والغرب وبناء جسور الثقة تعيدها حركة تحرر وليس حركة إرهابية. ودليل ذلك ما تفرضه الحركة من إجراءات أمنية مشددة ضد مطلقي الصواريخ على البلدات الصهيونية المجاورة.

إذن، يبقى التنسيق هو السمة القائمة بين الطرفين، رغم تباعد الخطى بينهما. أما قصة الدمج الذي يروّج له البعض، ما هي إلا طروحات نظرية. والمفروض أن التقارب الأيديولوجي والسياسي هو مصدر التحدي للحركتين، فتوحيد الهدف والنأي عن المشاحنات أحيانا هو الطريق لتحقيق نتائج أفضل، سواء على صعيد تخفيف الحصار أو فكه.

المتحدث باسم الجهاد الإسلامي داود شهاب قال إن “الحركة ملتزمة بتحقيق المصلحة العليا للشعب الفلسطيني، وملتزمة بكل ما من شأنه أن يعزز المقاومة، ويُفعّل من آليات إدارة الصراع مع إسرائيل”.

وفي الإطار نفسه قال محمد الهندي القائد في حركة الجهاد، إن “الاحتلال حاول زرع بذور الشقاق والخلاف بيننا وبين حماس لكنه فشل”. وهذا ما يؤكده القيادي في حركة حماس إسماعيل رضوان قائلا “إنّ علاقة حركته بحركة الجهاد الإسلامي إستراتيجية ومهمة، وهي قائمة على تحقيق التنسيق والتكامل بين الطرفين، من أجل دعم خيار المقاومة ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي”.

وحتى لا نشطح بعيدا ونغرق أكثر في سبر أغوار الخلاف الخفي بين الحركتين، يبقى السؤال الذي يطرح نفسه والذي أختم به مقالتي: لماذا تركت حماس الجهاد في الحرب الأخيرة يتيمة، وسمحت لكتائب سرايا القدس أن تطلق الصواريخ من أراضي غزة؟

عن "العرب" اللندنية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية