الجهاد بالوكالة: باكستان زرعت الإرهابيين في الجوار فحصدت الفوضى

الجهاد بالوكالة: باكستان زرعت الإرهابيين في الجوار فحصدت الفوضى


06/11/2017

قال السياسي الباكستاني عِمران خان إنّ التدخل الأمريكي في أفغانستان هو السبب الرئيس وراء صعود الظاهرة الجهادية في أفغانستان وباكستان.
خان على حق، جزئياً، ذلك أنّ وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية تعاونت مع مجموعة التجسس العسكرية الباكستانية بشكلٍ وثيقٍ في أفغانستان لهزيمة القوات السوفييتية في الثمانينيات؛ حيث استثمرت كل من واشنطن وإسلام آباد بالمجاهدين الأفغان، وقدّمتا لهم الدَّعم العسكري واللوجستي لمحاربة الحكومة التي كانت موسكو تدعمها في كابول.
وترى الولايات المتحدة وباكستان أنّ تلك الحملة أدت غرضها؛ إذ أجبر المجاهدون القوات السوفييتية على التراجع وسيطروا على العاصمة الأفغانية كابول آنذاك، لكن ما يتستّر عليه خان وغيره من الذين يربطون الجهاد الأفغاني بالتنافس الأمريكي-السوفييتي خلال الحرب الباردة، هو أنَّ دعم باكستان للجهاديين بدأ في وقتٍ مبكرٍ يعود إلى استقلال البلاد عام 1947. ويقول المحللون إنَّه ارتفع في الخمسينيات وبلغ ذروته في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينات.

دعم باكستان للجهاديين بدأ في وقتٍ مبكرٍ يعود إلى استقلال البلاد عام 1947

ويعود السبب الرئيسي الآخر لتوظيف باكستان لوكلائها الجهاديين إلى الهند. والآن، عندما يحذِّر الغربُ إسلام آباد بشأن عدم تخليها عن دعم بعض فصائل طالبان أو شبكة حقاني، فإنَّه يتغاضى عن مخاوف باكستان من التأثير الهندي في أفغانستان، ومن خشيتها بشأن السيطرة الهندية على جزءٍ كبيرٍ من إقليم كشمير، وهو ما تعتبره إسلام آباد تهديدًا لمصالحها.
وهذا لا يثير الدهشة، إن عرفنا أنَّه بعد حصول الهند وباكستان على الاستقلال عن الحكم الاستعماري البريطاني  عام 1947، دخلت الدولتان في صراعٍ حول كشمير، لا يزال قائمًا حتّى الآن.

الجهاد الأوَّل
عارف جمال، صحافيٌّ يُقيم في الولايات المتحدة وله عدة كتب منها "حرب الظل: قصّة الجهاد غير المرويّة في كشمير" و"دعوة للجهاد العابر للحدود: عسكر طيبة، 1985-2014 ": واقعيًا وتاريخيًا"، صرح لموقع دويتشه فيله: "من الخطأ القول إنَّ باكستان بدأت باستخدام الجهاد كأداة ضمن سياستها الدفاعية منذ الثمانينيات؛ لأن ذلك وقع في أيلول (سبتمبر) 1947، عندما قامت السلطات الباكستانية بتسليح وإرسال الميليشيات القَبَلية إلى ما عُرِف سابقًا بدولة جامو وكشمير".
ويضيف جمال: "تم إرسال الجهاديين إلى كشمير في إطار خطّة مدروسة صمَّمها العقيد أكبر خان بمشاركة من رئيس الوزراء الباكستاني لياقة علي خان وبعض أعضاء حكومته، وليس من المؤكد بعد ما إذا كان مؤسِّس باكستان والحاكم العام لها محمد علي جناح على ثقة في هذه المهمة".
وبحسب خبراء كجمال ووحيد مزده، "وقّع جناح اتفاقًا - لا يزال قائمًا - مع حاكم جامو وكشمير الهندي، وانتُهِك ذلك الاتفاق من مجاهدي رجال القبائل،  فدعا الحاكم  القوات الهندية للدفاع عن الدولة، مما أدَّى إلى الحرب الأولى بين الهند وباكستان وتقسيم كشمير نهاية عام 1948".
طلعت بهات، وهو مخرج أفلام وثائقية يقيم في السويد له عدّة أفلام منها "سِجِل كشمير" و"مجلس البحث"، قال لدويتشه فيله إن مشاركة الجهاديين في نزاع كشمير كان لها تأثير سلبيّ على الطابع العلماني والمستقل للحركة الكشميرية.
وأضاف: "بدأت حركة كشمير المستقلة في عام 1948 وظلّت تكتسب قوة في المناطق التي تحتلها الهند حتى عام 1985، إلى أن أعلن حزب "جبهة تحرير جامو وكشمير" عام 1988  الحرب على الهند بعد مقتل مؤسسه "مقبول بهات" عام 1984، الأمر الذي أدّى إلى تشكّل حركة استقلال شعبي".

عندما يحذِّر الغربُ إسلام آباد بشأن عدم تخليها عن دعم بعض فصائل طالبان أو شبكة حقاني، فإنَّه يتغاضى عن مخاوف باكستان من التأثير الهندي في أفغانستان

وأكد بهات: "في عام 1991، أنشأت المخابرات العسكرية الباكستانية "حزب المجاهدين"، وهو منظّمة إسلامية مسلحة،  هدفها مكافحة الحزب العلماني "جبهة تحرير جامو وكشمير". وفي الفترة ما بين عامي 1991 و1993، قُتل أو سُجن معظم قادة جبهة التحرير من قِبل "حزب المجاهدين" أو القوات الهندية. وفي عام 1994، أعلنت جبهة التحرير عن وقفٍ لإطلاق النار من جانب واحد، لكن إسلام آباد أرسلت المزيد من الإسلاميين  الذين سبق وقاتلوا في حربِ أفغانستان  إلى كشمير". ويرى بهات أنَّ الهند استفادت من تدخل الجهاديين لأنه سمح لها بتبرير اضطهادها و"احتلالها" لكشمير.
النفوذ الهندي
إن إلقاء اللوم على باكستان بخصوص الحالة الجهادية وإعفاء الهند من أي مسؤولية لن يكون تحليلًا موضوعيًا للصراعات في المنطقة، فالقمع الهندي في كشمير موثَّق بشكل جيد من قِبل منظمات حقوق الإنسان الدولية، وجهود الهند لزيادة نفوذها في أفغانستان أشار إليه المحللون أكثر من مرة معتبرين أن باكستان ظلت قلقة  بشأن "وصول" نظامٍ مؤيدٍ لنيودلهي والنظام السوفييتي في أفغانستان بعد التقسيم مباشرة، كما أنّ باكستان لا تريد للبشتون في إقليمها الشمالي الغربي أي تحالف مع البشتون الأفغان.
ومنذ خروج السوفييت من أفغانستان أواخر الثمانينيات وسيطرة طالبان المدعومة باكستانيًا على كابول عام 1996، لم تستعد  الهند نفوذها في البلاد التي مزقتها الحرب إلا في أعقاب الغزو الأمريكي لأفغانستان عام 2001 وما تبعه من سقوطٍ لنظام طالبان. ومنذ ذلك الحين، استثمرت الهند بشكل كبير فى البلاد على أمل التقليل من دور باكستان في السياسة الأفغانية. كما تدعم نيودلهي بشكل دبلوماسيّ الانفصاليين في مقاطعة بلوشستان الغربية من باكستان.
وفي تصريح سابقٍ لوكالة فرانس برس، قال وحيد مُزده، وهو محللٌ أمنيٌ يقيم في كابول، إن "أفغانستان تتدخل في الشؤون الداخلية الباكستانية بمساعدة بعض الهنود".


كما أشار إلى أن "لدى الهند علاقات وثيقة مع الملك الأفغاني السابق محمد ظاهر شاه خلال الفترة الواقعة بين أعوام 1933 وحتى 1973 ذلك أن  مصلحة الهند تقضي بإبقاء باكستان تحت الضغط، وقد ظلت أفغانستان دائمًا إحدى وسائلها الرئيسية لتحقيق هذا الهدف".
وفي ذات السياق، قال فايز محمد زالاند، وهو محاضرٌ في جامعة كابول، إنَّ أفغانستان حاولت دعم الحركات الانفصالية الباشتوية في باكستان خلال  الفترة بين أعوام 1950 وحتى1970، وأضاف لدويتشه فيله: "عندما أصبحت باكستان أقوى كدولة، بدأت بدعم جماعات جهادية مختلفة تعمل ضدَّ الحكومة في كابول".
وعلى الرغم من اعتقاد الكثيرين أنَّ الدكتاتور العسكري الباكستاني ضياء الحق هو الذي أطلق القوات الجهادية في أفغانستان خلال الثمانينيات، إلا أنَّ المحلل عارف جمال يعتقد أنَّ من قام بذلك هو رئيس الوزراء الاشتراكي الباكستاني ذو الفقار علي بوتو.
وبحسب جمال، فإنه في عام  1965"دعا بوتو العديد من الإسلاميين الأفغان إلى إسلام آباد وأقنعهم بإعلان الجهاد ضدَّ الحكومة الأفغانية، وقد صار العديد من هؤلاء بعد ذلك قادةً بارزين للحركات الجهادية منذ الثمانينيات".
لكن زالاند يرى أنَّ الخوف من التأثير الهندي لا يبرّر تدخل باكستان في أفغانستان.
ويعود زالاند ليوكد أنّ "البعثات الدبلوماسية الهندية في قندهار وهيرات، وكابول، ونكرهار، أصبحت هدفًا للهجمات الإسلامية الفتّاكة منذ عام 2001، وهذا يدل على مستوى نفوذ باكستان بين الجهاديين".
هؤلاء الخبراء، رأوا أنّ استخدام الجهاديين ليحاربوا بالوكالة في أفغانستان وكشمير يُعدُّ خطراً على باكستان والهند معاً، فعلى مدى عقدٍ من الزمان، كان المسلحون الإسلاميون ينشرونَ الفوضى في باكستان، مستهدفين المدنيين وقوات الأمن على السواء، وأصبحت شبكتهم الجهادية ضخمة ومعقّدة لدرجة أنَّ الدولة لم تعد تملكُ السيطرة عليها.

شامل شمس - دويتشه فيله

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية