الجنوب السوري يغلي على وقع مساومات سياسية لتقاسم النفوذ

سوريا

الجنوب السوري يغلي على وقع مساومات سياسية لتقاسم النفوذ


27/06/2018

ينظر إلى التطورات الدراماتيكية الأخيرة التي تشهدها منطقة جنوب سوريا، باعتبارها الأعنف، لا سيما أنّ اليومين الأخيرين، شهدا غارات جوية بلغت أكثر من 130 غارة، وإلقاء براميل متفجرة، بينما وصل عدد القتلى إلى 70 شخصاً منذ بدء التصعيد.

وتشير التقارير إلى أنّ النظام السوري تقدّم في منطقة اللجاة، بالإضافة إلى إلقاء الطيران المروحي عدة براميل متفجرة على مناطق في بلدة ناحتة وعدة غارات على مناطق في بلدتي المليحة الشرقية وبصر الحرير، وهو ما يؤكده مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن الذي أوضح بأنّ ما يحدث من عمليات عسكرية في جنوب سوريا جاء بعد موافقة أمريكية لروسيا.

تكتسب المنطقة الجنوبية من سوريا التي تضم إلى درعا محافظتي القنيطرة والسويداء خصوصيتها من أهمية موقعها مع إسرائيل والأردن

وقال عبد الرحمن، في تصريحات صحفية، إنّ الروس قدموا للمعارضة طرح بقاء قوات المعارضة كقوات حماية محلية في المناطق التي يسيطرون عليها برفقة الشرطة العسكرية الروسية وانتشار قوات النظام على الحدود مع الجولان السوري والحدود مع الأردن، ولكن المعارضة ترفض هذا الحل، مما دفع النظام إلى تصعيد وتيرة الهجوم العسكري والقصف الجوي.

اليومان الأخيران شهدا معارك طاحنة في بلدة بصر الحرير بين النظام وفصائل موالية له من جهة وفصائل المسلحة من جهة أخرى، مع استمرار القصف الجوي على المدينة.

"الخط الساخن" الأمريكي الروسي

وألقت الولايات المتحدة بثقلها في الملف السوري، وسُجل أمس نشاطٌ دبلوماسي على جبهات عدة في مسعى منها لاستعادة نفوذها في الترتيبات المستقبلية للتسوية. وأفادت صحيفة "الحياة" أنّ "الخط الساخن" الأمريكي – الروسي تم تفعيله للجم العنف على الجبهة الجنوبية. وأفيد بأنّ واشنطن طالبت موسكو بممارسة ضغوط لإبعاد إيران من سورية، الأمر الذي قايض عليه الروس بمحاولة انتزاع اعتراف بشرعية النظام. وبالتزامن، طالبت واشنطن فصائل الجنوب بعدم الرد على "استفزازات النظام"، وتحدثت عن "جهود جبارة لتثبيت خفض التصعيد".

المدير الإقليمي للأمم المتحدة: القتال يدفع بالناس أكثر وأكثر نحو الجنوب. وفي النهاية لن يكون لديهم مكان آخر

وزار وفد عسكري أمريكي مدينة منبج (شمال سورية) حيث التقى قيادات "مجلس منبج العسكري"، وجال في شوارع المدينة وأسواقها. ونُقل عن الوفد تعهداته بـ"البقاء في منبج وعدم دخول القوات التركية إليها". لكن وزير الخارجية التركي جاويش اوغلو سارع إلى الرد، مؤكداً أنّ "الجنود الأتراك سينتشرون في كل مكان داخلها".

مصادر ديبلوماسية غربية ذكرت بأنّ الإدارة الأمريكية أكدت للمسؤولين الروس "تمسكها بالضغط على النظام لإخراج إيران من سورية"، وأنّ "الانسحاب الإيراني أصبح أولوية في سياسة البيت الأبيض في الملف السوري". وأضافت أنّ "واشنطن ما زالت على موقفها من أنّ الأولوية هي لمغادرة إيران من سورية من دون شروط، والعودة إلى مسار جنيف عبر المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، وفكرة أنّ يكون الرئيس بشار الأسد جزءاً من المرحلة الانتقالية، وفق السياسة الأمريكية، قد تكون موضوع تفاوض بعد خروج إيران من سوريا".

تسليم جنوب سوريا إلى موسكو

وكشفت تسريبات صحفية عن قيام نائب رئيس هيئة التفاوض خالد المحاميد بقيادة مشروع يهدف إلى التوصل إلى اتفاق لتسليم جنوب سوريا إلى موسكو وانسحاب الفصائل منها

وأوضحت تقارير بأنّ المحاميد يقود مصالحة في المنطقة الجنوبية من سوريا، تقضي بتسليم مدن وبلدات درعا والقنيطرة إلى النظام وتهجير المقاتلين والرافضين للتسوية إلى الشمال السوري في سيناريو يحاكي ما جرى في غوطتي دمشق وحمص.

وفي سياق تطورات الملف السوري، وبخاصة التصعيد في الجنوب، وصل مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون الأمن القومي جون بولتون، اليوم، إلى مقر وزارة الخارجية الروسية في موسكو لإجراء محادثات مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، تتناول قضايا عديدة من بينها الملف السوري، حيث يمهد لقاء لافروف وبولتون لقمة مرتقبة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

اقرأ أيضاً: "تلفزيون سوريا".. هل يكون منصة قطرية بوعود رمادية؟

وفي حين يتعامل الزعماء السياسيون في الدول الكبرى مع الملف السوري باعتباره جزءاً من مجموعة أوراق تفاوضية، تتجلى على الأرض، وبخاصة في الجنوب السوري، كوارث إنسانية، حيث خرجت ثلاثة مستشفيات من الخدمة منذ منتصف ليل الثلاثاء الأربعاء جراء القصف الجوي العنيف لقوات النظام على محافظة درعا، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية.

واستهدفت غارات روسية محيط مستشفى بلدة الجيزة صباحاً وبلدة المسيفرة بعد منتصف الليل، ما أدى إلى إصابتهما بأضرار أخرجتهما من الخدمة، وفق عبد الرحمن الذي أوضح أنّ طائرات مجهولة قصفت مستشفى بلدة صيدا ليلاً لتوقفه أيضاً عن العمل.

وارتفع بذلك عدد المستشفيات التي خرجت من الخدمة في درعا منذ بدء التصعيد العسكري إلى خمسة، أحدها في بلدة بصر الحرير التي سيطرت عليها قوات النظام ليل الاثنين، وفق المرصد.

وتُشكل سوريا "المكان الأسوأ في التاريخ الحديث في ما يتعلق بالاعتداءات على القطاع الصحي" وفق ما قالت الأمم المتحدة في أيار(مايو) الماضي، مشيرة إلى أنّ المنشآت الطبية المستهدفة في الأشهر الأربعة الأولى فقط من العام 2018، أكثر مما شهده العام 2017 بالكامل.

الطيران يلاحقنا

وتكتسب المنطقة الجنوبية من سوريا التي تضم الى درعا محافظتي القنيطرة والسويداء خصوصيتها من أهمية موقعها الجغرافي الحدودي مع إسرائيل والأردن، عدا عن قربها من دمشق.

وتسيطر الفصائل المعارضة على 70 في المئة من درعا والقنيطرة، فيما تسيطر قوات النظام على محافظة السويداء المجاورة بشكل شبه كامل.

وأفاد مراسل "فرانس برس" عند أطراف مدينة درعا اليوم عن سماع دوي انفجارات طوال الليل من أحياء مدينة درعا وأخرى أقل وضوحاً ناتجة عن القصف في الريف الشرقي.

وقال أحمد أبازيد، وهو ناشط إعلامي من بلدة الحراك لوكالة فرانس برس "لم يغادر الطيران السوري والروسي والبراميل المتفجرة الأجواء منذ أكثر من 72 ساعة".

وأضاف الشاب، الذي نزح إلى منطقة زراعية قريبة من بلدته "توجه الناس إلى الخطوط الخلفية للقرى الجنوبية من محافظة درعا مثل الجيزة وصيدا، لكن النظام عاد واستهدف هذه المناطق أيضاً". وتابع "الناس لا تعرف أين عليها الذهاب، الطيران يلاحقهم أينما كانوا".

نوم "في العراء"

وتسبب التصعيد الأخير بحركة نزوح واسعة في درعا، وفق الأمم المتحدة التي أفادت بفرار 45 ألف شخص خلال أسبوع.

ويتوجه غالبية النازحين إلى المنطقة الحدودية مع الأردن، الذي أعلن عدم قدرته على استيعاب موجة لجوء جديدة. وأكد وزير خارجيته أيمن الصفدي أمس أنّ "حدودنا ستظل مغلقة ويمكن للأمم المتحدة تأمين السكان في بلدهم".

ويستقبل الأردن نحو 650 ألف لاجئ سوري مسجلين لدى الأمم المتحدة، فيما تقدر عمان عددهم بنحو 1,3 مليون.

اقرأ أيضاً: "داعش في سوريا" عنوان الحرب الإعلامية بين روسيا وأمريكا

وشددت منظمة العفو الدولية أول من أمس على أنه "من واجب الأردن توفير الحماية للاجئين السوريين الفارين من الصراع والاضطهاد، والسماح لهم بدخول البلاد".

ودعا المجلس النروجي للاجئين، في بيان أمس، الأردن "لضمان أن يجد النازحون ملجأ عبر الحدود".

وقال المدير الإقليمي للمنظمة بالوكالة يوري سعدالله إن "القتال يدفع بالناس أكثر وأكثر نحو الجنوب. وفي النهاية لن يكون لديهم مكان آخر يذهبون إليه".

ويواجه النازحون وفق المنظمة، نقصاً حاداً في الخبز والوقود في المناطق التي يلجأون إليها. كما أنّ "المباني العامة باتت مكتظة بالناس ما يجبر البعض على النوم في العراء".

من جهتها، قالت منظّمة الأمم المتحّدة للطفولة (يونيسف) في بيان اليوم "لا يعرف الرعب حدّاً في سوريا".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية