الجزائر: الصيد المحظور والسوق السوداء وسبائك الذهب

الجزائر: الصيد المحظور والسوق السوداء وسبائك الذهب


كاتب ومترجم جزائري
19/01/2021

ترجمة: مدني قصري

اعترف رئيس الوزراء الجزائري الأسبق، أحمد أويحيى، باستلامه سبائك ذهب هدية باعها في السوق السوداء.

أحمد أويحيى، وهو أول مسؤول يَمثُل أمام المحكمة، تمّ استجوابه أوّلاً عن أصل أصوله التي تقدّر بنحو 700 مليون دينار (4,3  مليون يورو) والمودعة في حسابات مصرفية.

اجتاحت حمى الذهب الجزائر، لم تثرها التشجيعات الجديدة من قبل الحكومة للتنقيب عن الذهب في أقصى جنوب الجزائر، بل أثارتها الاعترافات المذهلة أمام القضاة، والتي أدلى بها رئيس الوزراء السابق في عهد الرئيس المخلوع، عبد العزيز بوتفليقة.

رئيس الوزراء الجزائري الأسبق، أحمد أويحيى

كان رئيس الوزراء السابق، والمدير السابق لديوان الرئيس المخلوع، عبد العزيز بوتفليقة، قد مثل أمام القضاء وحُكم عليه بالفعل بالسجن لمدة خمسة عشر عاماً، بتهم: "منح امتيازات غير مستحقة"، و"إساءة استخدام المنصب"، و"تضارب المصالح"، و"غسيل الأموال"، وقد عاد  يوم السبت الماضي إلى المحكمة الجزائرية في قضية أخرى تتعلق بمُصنِّعي السيارات.

وتشمل هذه المحاكمة كبار المسؤولين في الدولة وأوليغارشيين انطلقوا في مشاريع تجميع السيارات بفضل، بحسب العدالة، صلاتهم بالقادة السياسيين.

ستّون سبيكة ذهب

خلال هذه المحاكمات، التي تناولت أيضاً قضية التمويل الغامض للحملة الانتخابية للانتخابات الرئاسية المجهضَة، في نيسان (أبريل) 2019، السبت 9 كانون الثاني ( يناير)، كشف أحمد أويحيى بشكل فاضح مصدر أمواله الخاصة.

أليس ادعاء أويحيى بأنّ مسؤولين آخرين تلقوا أيضاً هذه السبائك الذهبية الشهيرة، ابتزازاً لكبار المسؤولين في الدولة من الذين لم تطلهم العدالة بعد؟

أراد القاضي معرفة أصل ثروة رئيس الوزراء السابق المودعة في حساباته  بالجزائر،  وقيمتها 700 مليون دينار (حوالي 4,3 مليون يورو)، وكان أحمد أويحيى، الذي نفي أنّ هذه الأموال تأتي من الفساد والأوليغارشية، قد اكتفى في محاكمة سابقة، بالحديث عن "هدايا من الأصدقاء".

وأقرّ أويحيى قائلاً: "استلمت هذه الهدايا خلال مواسم الصيد التي تنظمها الرئاسة، مثل باقي المسؤولين، لقد سلّمونا، بين عامَي 2014 و2018، أكثر من 60 سبيكة ذهب".

عبد العزيز بوتفليقة

 أويحيى يقصد بهذا الاعتراف بعض أمراء الخليج، الذين كانوا يأتون إلى الجزائر منذ بداية سنوات الـ2000، لاصطياد الحُبارى والغزال في الصحراء الجزائرية، وهي أنواع محميّة في الجزائر!

لم تنتهِ مفاجأة القاضي عند هذا الحدّ؛ إذ واصل أويحيى اعترافه قائلاً: "ما دام بنك الجزائر (البنك المركزي) قد رفض شراءها منه، فقد باع سبائكه الذهبية في السوق السوداء، وجمع مبلغ 350 مليون دينار جزائري (أي 2,1 مليون يورو) وضعها في حساباته الخاصة".

اقرأ أيضاً: هل قدر الجزائريين أن يحكمهم الرؤساء المرضى؟

كما أوضح رئيس الوزراء السابق للقاضي "صمته خلال أولى مُحاكمتين، حول هذه التبرعات السخية، من أجل تفادي إِحداثِ احتكاكات دبلوماسية مع مسؤولي دول الخليج، المعنيين باعترافاته".

على مواقع التواصل الاجتماعي، في الشارع الجزائري، وفي وسائل الإعلام، كان لهذه الاعترافات تأثير مدوّ؛ حيث صبّ مستخدمو الإنترنت جام غضبهم على المسؤول السابق، الذي أعيدت تسميته بـ "أور- يحيى" (يحيى - الذهب)، وعلى عدد من الطبقة السياسية .

مسؤولون آخرون متورطون

في هذا السياق، علّق المحلل السياسيّ، محمد حنّاد، قائلاً: "ما قاله أويحيى للتوّ سيلقي المزيد من المعلومات المفيدة، وكلّ هذا يؤكد حقيقة أنّ البلاد كانت محكومة فعلياً من قبل قطاع طرق، كانوا هم السادة الحقيقيين للسوق السوداء، شبه الرسمية، سوق الذهب والعملات الأجنبية".

بنك الجزائر (البنك المركزي)

وبالفعل، استهدفت هذه الاعترافات أيضاً عدداً من مسؤولين كبار آخرين في الدولة، حيث قال أويحيى إنه تلقّى هذه "الهدايا" مثل "مسؤولين آخرين"؛ فمن هم هؤلاء المتورّطون؟

لقد نقلت "الوطن" أسماء بعض الشخصيات المتورطة: "أوّلاً: الرئيس المخلوع، عبد العزيز بوتفليقة، الذي سمح لبعض كبار المقامات الخليجية بمطاردة الحُبارى والغزال، وهي من الأنواع المحمية بموجب القانون، بالتالي، ممنوع أسرها.

اقرأ أيضاً: إخوان الجزائر ورقة تركية في معركة مستمرة ضد ماكرون

ورئيس السلطة التنفيذية آنذاك، عبد المالك سلال، وكذلك العديد من المديرين التنفيذيين في رئاسة الجمهورية، والوزراء، وكبار ضباط الجيش، وجميعهم منخرطون في لوجستيات عمليات الصيد غير المشروع المنظمة، ومنهم مَن ما يزالون في مناصبهم".

بالنسبة إلى المتخصص البيئي في الصحيفة اليومية نفسها، سليم صادقي، فإنّ "ثروة" أويحيى الذهبية هي "كنز تراكم بفضل مذبحة استمرت مدة عشرين عاماً، بعيداً عن الأنظار، على الرغم من تحذيرات المواطنين التي تمّ نقلها عبر الصحافة، مذبحة تشبه تقريباً مذبحة البيسون (الثور الوحشي الأمريكي)، أو مذبحة الأفيال ووحيد القرن، مقابل ما تدرّه من مال".

المتخصص البيئي الجزائري سليم صادقي: "ثروة" أويحيى الذهبية هي "كنز تراكم بفضل مذبحة استمرت مدة عشرين عاماً، بعيداً عن الأنظار

لم يكن هذا الصيد الجائر ممكناً لولا الصداقات العميقة التي ربطت الرئيس السابق المخلوع، عبد العزيز بوتفليقة، مع أمراء في الخليج.

لكن فيما وراء السخط والغضب العام؛ فإنّ السؤال الذي يطرح نفسه هو التالي: هل ستنظر العدالة في هذه القضية الجديدة؟ في الواقع، بحسب صحيفة "الوطن"، الناطقة بالفرنسية، يعاقب قانون مكافحة الفساد أيّ مسؤول في الدولة "يقبل، بشكل مباشر أو غير مباشر، من شخصٍ ما هدية، أو أيّة ميزة غير مستحقة، قابلة لأن تؤثّر في معالجة إجراءات إدارية، أو معاملات تجارية مرتبطة بوظائفه".

وبالنسبة إلى موقع "Twala" الإخباري؛ يبدو أنّ أويحيى راهن على غموض هذا الحكم: لقد تلقى "هدايا"، نعم، لكن ليس "للتأثير في معالجة إجراءات إدارية أو معاملات تجارية تتعلّق بوظائفه".

اقرأ أيضاً: هل قال الجزائريون في التعديلات الدستورية: "لا" للإسلام السياسي؟

لكنّ هذه المجازفة من أجل تغيير خطّ الدفاع، وتبرير أرصدته المصرفية، مع محاولته إبعاد نفسه عن الأوليغارشية المتورطين، قد تسبّبت في موجة صادمة في الرأي العام، الأمر الذي قد يؤدي إلى تعقيد قضايا أويحيى.

استحضر مراقبون آخرون قراءة أخرى لإستراتيجية دفاع رئيس الوزراء السابق: أليس ادعاء أويحيى بأنّ مسؤولين آخرين تلقوا أيضاً هذه السبائك الذهبية الشهيرة، ابتزازاً لكبار المسؤولين في الدولة (سابقاً كانوا أو في مناصبهم الآن) من الذين لم تطلهم العدالة بعد، حتى يُحسّن مصيره؟

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

www.lepoint.fr/afrique


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية