الاتفاق النووي الإيراني: ترامب ينسحب وأوروبا تتمسك.. ماذا بعد؟

إيران

الاتفاق النووي الإيراني: ترامب ينسحب وأوروبا تتمسك.. ماذا بعد؟


09/05/2018

تسارعت ردود الأفعال الدولية عقب إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب  مساء أمس انسحاب بلاده من الالتزام بالاتفاق النووي مع إيران، والذي وُقّع قبل نحو ثلاثة أعوام، في تموز (يوليو) من العام 2015، بين مجموعة دول "5 + 1" (دول مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا) من جهة، وإيران من جهة أخرى.
وكان إعلان ترامب قد نصّ على فرض مذكّرة عقوبات جديدة على إيران، شملت العودة الى الحصار الاقتصادي؛ حيث يطال قطاعات الطاقة، والاستثمار، والتجارة، والنقد الأجنبي، بالإضافة إلى عمليات الشحن البحري والجوي من وإلى إيران. وقد استند ترامب في إعلانه إلى الوثائق التي عرضها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قبل أيام، وتحديداً في 30 نيسان (أبريل) الماضي، حين أعلن عبر الوثائق والصور عن "كذب إيران"، ومضيّها قدماً في برنامجها النووي، خلافاً لما تعهدت به. في حين كانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية ترى أنّ إيران "لم تخرق" الاتفاق؛ إذ قال الدكتور يسري أبو شادي، كبير مفتشي الوكالة الذرية للطاقة الذرية سابقاً، في تصريح لقناة "روسيا اليوم" ليلة أمس إنّ ترامب "لم يذكر شيئاً عن الانسحاب سوى أنّه بنى خطابه على المعلومات التي ذكرها نتنياهو، والتي فنّدها كثيرون".

نتنياهو أثناء عرض وثائق حول ما قال إنّه برنامج إيراني سري

الاتفاق تم التوصل له بعد مفاوضات ومحادثات استمرت مدة 12 عاماً، منذ الكشف عن البرنامج النووي الإيراني العام 2003، حيث تم التوصل في ختام المفاوضات إلى الاتفاق الذي يقضي برفع العقوبات عن إيران، وإلغاء قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، مقابل التزامها بخفض عدد أجهزة الطرد المركزي، ووقف برامج تخصيب اليورانيوم، وخضوع أنشطة المنشآت الدولية للوكالة الدولية للطاقة الذرية.
الاتفاق بحاجة لتعديل
وخلال الفترة الأخيرة تسارعت وتيرة الجهود الأوروبية الساعية لتعديل الاتفاق بدلاً من إلغائه، قبل أن يستبق ترامب الأيام الأربعة الممنوحة للأوروبيين لمحاولة تحسين الاتفاق، معلناً انسحاب بلاده؛ حيث كان كلّ من الاتحاد الأوروبي وروسيا قد أقرّوا بضرورة بلورة اتفاق جديد، وضرورة إضافة بنود جديدة، تتعلق تحديداً ببرنامج الصواريخ الباليستية، والأنشطة التوسعية الإيرانية في المنطقة. إذ اعتبر المحلل السياسي، مصطفى طوسة، في مداخلة له عبر تلفزيون "الغد"، أنّ الاتفاق "لم يحقق الأمن والسلام، وخير دليل على ذلك هو أنّ هناك صواريخ باليستية تطلق تجاه المملكة العربية السعودية، وهناك أنشطة عدوانية لإيران في اليمن، والعراق، وسوريا، ولبنان". كما أكد الباحث السياسي، سامي نادر، على قناة "الغد" أيضاً، بأنّ "المسألة لا تتعلق بالنووي وإنّما بتمدد إيران في المنطقة، وبتطوير الصواريخ البالستية"، مضيفاً أنّه: "على الأرجح سيكون هناك تفاهم لتوسيع الاتفاق بحيث لا يحدث فصل المسار النووي عن الإستراتيجي، والذي كان خطأً لا بد من التراجع عنه".

عبد الحي: المرحلة القادمة قد تنطوي على دبلوماسية لا تتمحور حول الحرب بل السعي الأمريكي نحو تعديل الاتفاق

في حين توقع أستاذ العلاقات الدولية، وليد عبد الحي، وفق ما نشر على صفحته على "الفيسبوك" بأنّ "المرحلة القصيرة القادمة قد تنطوي على دبلوماسية لا تتمحور حول الحرب؛ بل السعي الأمريكي نحو تعديل الاتفاق تحت ضغط الخروج منه، أو إضافة ملاحق جديدة له"، وبأنّه: "قد يميل الأوروبيون في مراحل لاحقة إلى فكرة إضافة ملاحق للاتفاق وهو ما ألمح له الفرنسيون بشكل خاص".
على الجانب الآخر، رأى الكاتب الصحفي سعيد عريقات، في مداخلة له على تلفزيون "الغد" بأنّ "الاتفاق النووي تم توقيعه وجميع الحروب دائرة في المنطقة"، وبأنّ "الانسحاب منه يضع كل الاتفاقات الدولية في موقع حرج"، وهو ما ذهب إليه أيضاً أستاذ العلوم السياسية، شفيق الغبرا، في مداخلة له على قناة "الجزيرة" حيث أكد أنّ الانسحاب "سيدعم التيار المتشدد في إيران، وسيؤدي إلى تصاعد التوتر في المنطقة".

ترامب لم يذكر شيئاً عن الانسحاب سوى أنّه بنى خطابه على المعلومات التي ذكرها نتنياهو

أبعاد داخلية للقرار
وكان ترامب قد هدد كثيراً منذ إطلاق حملته الانتخابية، وبعد توليه الرئاسة، بالانسحاب من الاتفاق، حتى صار الجميع تقريباً مقتنعين بأنّ الانسحاب أمر واقع، وأنّه مسألة وقت. ورأى إدموند غريب، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جورج تاون، في مداخلة له عبر تلفزيون "الغد" بأنّ لقرار ترامب أبعاداً داخلية تتعلق بمخاطبة الناخب الأمريكي، وبالأخص مع تزايد ضغوط التحقيقات الفدرالية الداخلية، حيث يحاول ترامب عبر القرار "إثبات الالتزام بتنفيذ الوعود والاختلاف في ذلك عن الرؤساء الآخرين، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات النصفية"، تماماً كما كان الحال مع قرارات ترامب بخصوص القدس، والانسحاب من اتفاقية المناخ الدولية، وقراراته بالتضييق على المهاجرين.
تمسك أوروبي ودولي بالاتفاق
بعد إعلان ترامب مباشرة ألقى الرئيس الإيراني حسن روحاني تصريحاً أكّد فيه أنّ "أمريكا خانت عهودها ولا تزال.. في حين التزمت إيران بتعهداتها"، وفي حين كانت كل التصريحات التي صدرت من طهران سابقاً تؤكد أنّ إيران ستنسحب في حال انسحاب واشنطن، فإنّ هذا لم يحدث بعد قرار الأمس.

موغريني: الاتحاد الأوروبي عازم على المضيّ في هذا الاتفاق وهو أحد أبرز الإنجازات الدبلوماسية الدولية

كما توالت ردود الفعل والتعليقات المستنكرة لخطوة ترامب من مختلف الدول؛ حيث أسفر القرار عن تعارض نادر بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وذلك مع إعلان، فرنسا وألمانيا وبريطانيا، تمسكها بالاتفاق، والذي ترى فيه الدول الأوروبية حصيدة 12 عاماً من العمل الدبلوماسي الشاقّ، وخصوصاً في ظلّ تأكيد التزام إيران بتعهداتها وبنود الاتفاق وعدم وقوع أي خيارات؛ إذ أعلنت فردريكا موغريني، مسؤولة العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي أنّ: "الاتحاد الأوروبي عازم على المضيّ في هذا الاتفاق، وهو أحد أبرز الإنجازات الدبلوماسية الدولية". في حين أعلن بوريس جونسون، وزير الخارجية البريطاني، في لقاء على قناة فوكس المقربة من ترامب بأنّ: "الاتفاق يتضمن بعض العيوب ولكن هذا لا يستدعي إلغاءه"، أما وزير الخارجية الألماني كوماس فأكد أنّ: "ألمانيا مقتنعة بأنّ الاتفاق يجعل العالم أكثر أماناً، ولذلك يجب الحفاظ عليه"، أما وزير الخارجية الفرنسي، جون إيف لودريان فصرّح بأن: "الأوروبيين عازمون على إنقاذ هذا الاتفاق؛ لأنّه يمكن من منع انتشار الأسلحة النووية". كما أكد نائب سفير روسيا في الأمم المتحدة بأنّ بلاده تشعر "بخيبة الأمل إزاء قرار ترامب".

حسن روحاني: أمريكا خانت عهودها ولا تزال

في المقابل خرج نتنياهو مباشرة بعد الإعلان للترحيب بالقرار وتثمينه، معلناً: "أنا وشعب إسرائيل نثمن قرار ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي". وتزامن ذلك مع إصدار الجيش الإسرائيلي أوامره بفتح ملاجئ الجولان؛ نتيجة تحركات مريبة لقوات إيرانية في سوريا؛ بالتزامن مع خطاب ترامب حول الاتفاق النووي.
ويرى كاظم الوائلي، الباحث في الشؤون الأمريكية، وفق مداخلة له عبر تلفزيون "الغد" بأنّ "إيران ستخسر الكثير إذا بقيت الاتفاقية بينها وبين الاتحاد الأوروبي فقط؛ لأن الاتحاد الأوروبي بالإمكان أن ينسحب لاحقاً في أي وقت في حال عقد تفاهمات جديدة بينه وبين الولايات المتحدة".

قالت وزارة الخارجية السعودية في بيان أصدرته إنّها تؤيد وترحب بالخطوات التي اتخذها ترامب

ردود فعل عربية متباينة

وبعد دقائق من الإعلان، قالت وزارة الخارجية السعودية في بيان أصدرته إنّها تؤيد وترحب بالخطوات التي اتخذها ترامب، موضحةً أنّ إيران استخدمت العائدات الاقتصادية، بعد رفع العقوبات بموجب الاتفاق، في الاستمرار بأنشطتها المزعزعة للاستقرار في المنطقة.
وقالت الخارجية الإماراتية إنّ تأييدها لقرار ترامب يأتي للأسباب التي أوردها الرئيس الأمركي في كلمته، داعيةً المجتمع الدولي إلى الاستجابة لموقف ترامب لإخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل، وذلك من أجل الحفاظ على الأمن والاستقرار الدولي.
من جهتها أكدت المنامة أنّ القرار "يعكس التزام الولايات المتحدة بالتصدي للسياسات الإيرانية، ومحاولاتها المستمرة لتصدير الإرهاب بالمنطقة". أما وزارة الخارجية المصرية، فأكدت أن مصر تتابع باهتمام كبير القرار الأمريكي، معربةً عن أملها "ألا يترتب على القرار صراعات بالمنطقة"، في حين رأت الكويت أنّ وجود الاتفاق "أفضل من عدمه"، ووفقاً لوكالة الأنباء السورية (سانا)، أدانت وزارة الخارجية السورية قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، معتبرة أنّ هذا الانسحاب "يثبت تنكّر الولايات المتحدة الأمريكية لالتزاماتها الدولية".

الصفحة الرئيسية