الإرهاب الطائفي بوجهه الرسمي: حكاية مأسوية

الإرهاب الطائفي بوجهه الرسمي: حكاية مأسوية


04/02/2021

فاروق يوسف

في عام 2014 كانت الاعتصامات في مدن غرب العراق ذات الأغلبية السنّية قد وصلت إلى مرحلة تنذر بتحولها إلى انتفاضة شعبية كان متوقعاً أن تمهّد للإعلان عن قيام إقليم مستقل، يكون شبيهاً بالإقليم الكردي الذي هو في حقيقته دولة مستقلة لا ينقصها سوى الاعتراف الدولي.

كانت تلك الاعتصامات السلمية التي سعى البعض بنيّات خبيثة مبيتة أن يلصق بها تهمة التخطيط لقلب نظام الحكم والعودة بالعراق إلى حكم الحزب الواحد هي بمثابة رد متأخر على السياسات التي تبناها رئيس الوزراء يومها نوري المالكي والقائمة على العزل والتهميش والاستبعاد إضافة إلى إطلاق يد القوات الأمنية في التعامل بفوقية واستعلاء مع المواطنين.

لقد عانى سكان المدن ذات الأغلبية السنية من الإذلال الطائفي حتى باتوا يشعرون بأنهم مواطنين من الدرجة الثانية خصوصاً في حصولهم على الوظائف التي تليق بمستوى تحصيلهم الدراسي، حتى امتلأت تلك المدن بحشود من العاطلين من العمل. وكان متوقعاً أن تذهب الأمور إلى العصيان المدني. وقد نشطت أجهزة نظام الحكم في الاعتقالات العشوائية وفق المادة 4 إرهاب، وهي المادة التي تتيح للأجهزة الأمنية القيام بحملات اعتقال من غير أوامر ضبط قضائي ومن دون إحالة المعتلقين إلى المحاكم. وكان أسوأ ما وقع يومها أن الاعتقالات شملت عشرات النسوة اللواتي لم تكن التهمة الموجهة إليهنّ واضحة.

كل ذلك صنع بيئة مناسبة لانتفاضة فُسرت على أساس طائفي فيما كان المنتفضون يرفعون شعارات المواطنة والمطالبة بالحقوق المدنية.

وبالعودة إلى تلك الأجواء فإن ظهور التنظيم الإرهابي "داعش" في تلك السنة يبدو كما لو أنه ضربة استباقية أجهضت كل المطالب المدنية في نيل حقوق المواطنة وذهبت بالصراع إلى منطقة الصدام المسلح حيث تم اعتبار كل سكان المناطق الغربية والموصل من أتباع "داعش" وصار التعامل معهم يبدأ من سوء النية باعتبارهم "دواعش" سابقين أو حاليين. وهو ما فعلته الميليشيات التابعة لإيران بعد أن ألحقت قوات التحالف الهزيمة بالتنظيم وتم تحرير المدن التي عانى سكانها الأمرّين بسبب اعتبارها جزءاً من دولة الخلافة.

وإذا ما كانت الولايات المتحدة قد أعلنت يومها عن نهاية التنظيم الإرهابي فإن تهمة "داعش" ظلت قائمة تطارد كل أبناء المدن ذات الأغلبية السنّية، حيث صارت صفة "داعشي" مرادفة لصفة "سنّي" بالنسبة لأفراد الأجهزة الأمنية ولمقاتلي "الحشد الشعبي" الذين ارتكبوا الكثير من عمليات القتل وقاموا باختطاف الشباب من غير أن يُعرف مصيرهم حتى اليوم.

وبسبب الضغوط التي مارستها منظمات حقوق الإنسان العالمية فقد تم سحب الميليشيات من عدد من المدن التي كانت تسيطر عليها، في حين ظلت المدن الصغيرة المحاذية لإيران خالية من سكانها الذين منعوا من العودة إليها بحجة الخوف من عودة "داعش". وليس المقصود بحزام بغداد الذي يتعرض سكانه بين حين وآخر لهجمات متلاحقة من قبل القوات المسلحة ينتح عنها قتل عدد من المدنيين واعتقال عدد آخر، سوى المدن ذات الأغلبية السنية. ولم يكن الإعلان عن تلك العمليات يحمل إلا أرقاماً تبيّن عدد القتلى من غير أي تفسير موثق بالمعلومات يمكن من خلاله التعرف إلى صلة ما بالتنظيم الإرهابي. أما الحديث عن العثور على أسلحة، فإنه حديث لا قيمة له في بلد مدجج بالسلاح من شماله إلى جنوبه حتى أن بعض عشائر الجنوب تملك معدات وأسلحة ثقيلة سبق أن استعملتها في معاركها الثأرية.

ما يحدث في العراق هو نوع من الإرهاب تمارسه الميليشيات والقوات الرسمية معاً في حق السكان المدنيين الذين شاء قدرهم أن يدفعوا ثمن هزيمة الجيش العراقي في الموصل عام 2014 مرتين. مرة حين احتل التنظيم الإرهابي القادم من سوريا مدنهم ودمر مقوّمات العيش فيها وعاملهم بإزدراء باعتبارهم رهائن، ومرة أخرى حين تم تحرير تلك المدن بعد هدمها على رؤوسهم وصارت الميليشبات تعاملهم باعتبارهم أسرى حرب من جهة كونهم "دواعش".

وإذا ما كانت تهمة التجسس للدولة قد لاحقتهم طوال السنوات الثلاث التي تُرك فيها التنظيم الإرهابي حراً في فرض شريعته، فإن الدولة التي استرجعت أراضيها بعد ذلك ضمتهم إلى شريحة المشكوك في ولائهم وصارت تنظر إليهم باعتبارهم بقايا "داعش" أو ما يُسمى بالخلايا النائمة. وهو مصطلح صار يشمل بالريبة الجميع من غير استثناء.

فمَن نجا من القتل على أيدي الدواعش إما قُتل على أيدي المحررين أو أنه وُضع على لائحة القتلى المؤجلين. وهو ما دفع الكثير من العوائل إلى تهجير شبابها بحيث أن أي احصاء سكاني محايد يُجرى لا بد أن يكشف عن انخفاض عدد السكان في المدن ذات الأغلبية السنّية. وهو ما يعيدنا إلى المشروع الذي سبق أن طرحه نوري المالكي أيام حكمه والمتعلق بإلغاء نظام المحاصصة في الجزء (العربي) من العراق واعتماد نظام حكم الطائفة الواحدة. حينها يكون التفاهم بين العرب والأكراد على أساس عرقي.

لقد رفعت الأحزاب الحاكمة شعار الإرهاب تهمة لإخفاء أهدافها الطائفية. وما "داعش" سوى الفزاعة التي تستعمل من حين إلى آخر من أجل تنفيذ حفلات قتل واعتقال عشوائية.

خلاصة الحكاية المأسوية أن الإرهاب بصيغته الطائفية كان قد احتوى الدولة وحل محل النظام الطائفي وصار يصفّي خصومه السياسيين من خلال الإطباق عليهم بتهم قائمة على الشبهات ولأنه تمكن من السيطرة على أجهزة الدولة فقد اتخذ عنفه طابعاً رسمياً.

عن "النهار" العربي

الصفحة الرئيسية