"الإخوان" يحاربون المومياوات!

"الإخوان" يحاربون المومياوات!


06/04/2021

محمد صلاح

لم يكن مجرد احتفال بحدث أثري، بل عرض للأوضاع في مصر وتأكيد طيّها صفحات ماضٍ قريب وتجاوزها محنة "الإخوان" وأعاصير الربيع العربي وانتقالها من العشوائية الى التنظيم ومن الاهتراء الى الفخامة ومن الفوضى الى الالتزام، أما هجوم "الإخوان" ومنصاتهم الإعلامية ضد موكب المومياوات الملكية الذي اخترق شوارع القاهرة ومن ميدان التحرير، حيث المتحف المصري، الى متحف الحضارات في منطقة الفسطاط، فتماهى مع أهداف ومساعي كارهي مصر والغاضبين من كل تطور ايجابي فيها، والتباكي على ميدان التحرير وإعادة ترتيبه وتجميله وتحويله الى واجهة حضارية، ما يعكس الى أي حد تحوّل حلم "الإخوان" بإعادة انتاج الفوضى، الى كابوس كبير.

أظهر الاحتفال الضخم حجم الانجازات التي تحققت بعد اطاحة حكم "الإخوان" وكيف تتبنى مصر برنامجاً طموحاً للخلاص من العشوائية التي لم تكن مجرد بنايات شُيدت من دون تخطيط أو تنظيم، أو مساحات من الأراضي الزراعية جرى تبويرها لتقام فوقها بيوت من الطوب الأحمر، أو أحياء نشأت من دون علم الدولة، أو غض المسؤولون البصر عنها لتكتظ بكثافة سكانية عالية ضغطت على الخدمات والبنية التحتية، فالعشوائية كانت أيضاً سلوكاً اعتمدته على مدى عقود مافيا الأراضي ومحترفو السياسة وبسطاء من الفقراء وجدوا في العشوائية ملاذاً يؤمن لهم العيش حتى لو في ضنك أو ضيق أو بغير أدمية.

لا تسأل هنا لماذا يهاجم "الإخوان" ومنصاتهم الإعلامية جهود الدولة المصرية المستمرة منذ نحو خمس سنوات للقضاء على العشوائية وإنقاذ سكان العشوائيات ونقلهم الي أحياء جديدة تم تشييدها وفقاً لأسس هندسية صحيحة ونظم معمارية سليمة وتخطيط استراتيجي يوفر لهم الحياة الآمنة والآدمية، فالمسألة لدى ذلك التنظيم تتجاوز تشويه انجازات السيسي، وتصل حد خوف الجماعة من سد الأنبوب الذي ظلوا يزيدون منه رصيدهم من الأعضاء الجدد، فهم كانوا يعتمدون على المناطق العشوائية في تجنيد العناصر، إذ إن سرطان العشوائيات أفرز أمراضاً أخرى لا تقل خطورة عن معاناة الناس، فتفشى الفقر وانتشر الجهل وزادت معدلات الجريمة وصارت تربة العشوائيات خصبة جداً لتنظيمات مثل "الإخوان" كي تستقطب منها الغاضبين والناقمين واليائسين لتبشرهم بالجنة في الآخرة، بعدما فقدوا أي أمل في الدنيا.

عانت مصر أوجاع العشوائية على مدى سنوات ليس فقط بفعل البناء من دون تخطيط أو ترخيص، ولكن أيضاً بفعل السياسات الفاشلة والخيارات الخاطئة وغياب القانون أو تطبيقه وفقاً لمعايير وتوازنات، وارتكبت الحكومات المتعاقبة مخالفات قانونية وسارت عكس الاتجاه عندما شرعنت المساكن العشوائية ونافقت سكانها مع كل انتخابات طمعاً في أصوات أصحابها ومنحت لهم التراخيص كمكافآت مع كل أزمة خوفاً من غضبهم، فتضخمت كرة الثلج ولم تعد ممكنة قوننتها.

كان طبيعياً أن تُستخدم مشكلة العشوائيات في مصر وأن يعزف على أوتارها كثيرون، فبدعوى الواقعية ركز سينمائيون على مفاسد الحياة فيها واخترقوا الحارات والأزقة والمساكن المتهالكة والعشش التي يعيش فيها البشر وعرضوا سلوكيات أهلها، ودرست الأحزاب والقوى السياسية والنخب القضية لا لتقدم حلولاً أو عوناً أو مساعدة لسكانها وإنما لاستخدامهم وقوداً في حربها مع أنظمة الحكم، أما "الإخوان" والداعمون لهم، فأمسكوا بقضية العشوائيات للهجوم على الحكومات وفضحها وفي الوقت نفسه اخترقت الجماعة تلك التجمعات وجنّدت أهلها وتسرطنت داخلهم وبينهم وحولهم. كان العشوائيون ذخيرة لما جرى في 25 كانون الثاني (يناير) 2011 واندفعوا إلى الميادين بعدما صدقوا "الإخوان" والقوى السياسية والنخبة الانتهازية واعتقدوا أن الخلاص قادم والأوان آن ليقضوا بقية حياتهم مثل البشر، وأن الثورة قامت من أجلهم وأن العيش الكريم سيتحقق والعدالة الاجتماعية ستطبق، فاكتشفوا بعدها أنهم كانوا مجرد أدوات لتنظيم يرفع راية الدين بينما يتاجر بمعاناتهم وأنهم كانوا مجرد ورقة في أيادي نخبة مستعدة للرهان على الوطن مقابل مكافآت ومزايا لأصحابها.

هنا تستطيع تفسير ردود فعل النخبة السياسية والثورجية و"الإخوان" وتلك الفضائيات المتحالفة مع الجماعة أو الداعمة لها والتي تبث من خارج مصر وظلت على مدى السنين الماضية تعاير الدولة المصرية بفقرها والمصريين بقسوة حياتهم، فكل تلك الجهات غاضبة وغير راضية عن موكب المومياوات او تتألم من مشاريع الرئيس عبدالفتاح السيسي وخططه للقضاء على العشوائيات وهالها ما رأت ولم يسرها مشاهد الأحياء والبنايات التي شيدها السيسي ضمن برنامجه للقضاء على العشوائيات في غضون خمس سنوات.

الحزن الذي أصاب "الإخوان" ليس سببه أن القضاء على العشوائيات يظهر فشل "الإخوان" في حكم مصر لمدة سنة كاملة لم يضرب في البلد خلالها مسمار واحد والغضب الذي اجتاح النخبة "الثورجية" لا يعود فقط إلى ظهور السيسي كمخلص للمطحونين بعد عقود من العذاب والشقاء، والأسى الذي ضرب فضائيات "الإخوان" وإعلامهم ليس فقط لأن المصريين بدأوا يحصدون ثمار خلع "الإخوان" عن السلطة... الحزن والغضب والأسى لدى كل هؤلاء سببها جفاف التربة التي كانوا يزرعون فيها نار التعصب والانفلات والفوضى... فالسيسي جرّف مزارعهم!

عن "النهار" العربي


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية