"الإخوان" بين القاهرة وأنقرة و"دبلوماسيّة الباب الخلفي"

"الإخوان" بين القاهرة وأنقرة و"دبلوماسيّة الباب الخلفي"


22/03/2021

عمرو فاروق

على مدار 8 سنوات، شهدت العلاقة بين القاهرة وأنقرة حالة من التباعد والتنافر الشديدين في ظل المساندة والدعم التركي لمكونات الإسلام الحركي ودوائره السياسية والتنظيمية في العمق المصري، لا سيما "جماعة الإخوان المسلمين"، التي عملت على تشوية النظام المصري، وإسقاط الدولة ومؤسساتها، منذ ثورة حزيران (يونيو) 2013، وحاولت فرض أجندتها بما يتوافق مع رؤيتها الفكرية وأدبياتها القطبية، ومشروعها في إطار "أخونة المجتمع" وبناء ما يعرف "الأجنحة الداعمة".

لم يكن النظام السياسي التركي المتوافق فكرياً وسياسياً مع التنظيم الدولي لجماعة الإخوان بعيداً عن المعركة التي أدارتها "ميليشيات حسن البنا" ضد الدولة المصرية، على المستويات السياسية والإعلامية والاقتصادية، فضلاً عن المنحى العسكري، وإحياء "الجناح المسلح" الذي تخصص في استهداف ضباط الجيش والشرطة والمؤسسات السيادية والحيوية.

كانت تركيا بمثابة "غرفة العمليات" الحقيقية لجماعة الإخوان في تحريك المشهد ضد الدولة المصرية، من خلال تقديم الدعم المالي واللوجستي، وتأسيس مكتب خاص بإدارة شؤون الإخوان المصريين الهاربين الى اسطنبول، كبديل لـ"مكتب الإرشاد" في القاهرة، الى جانب عقد اجتماعات التنظيم الدولي، التي تناولت مستقبل الجماعة ومشروعها في المنطقة العربية في ظل سقوطها المدوي.

توسعت جماعة الإخوان من داخل الأراضي التركية بتأسيس العديد من القنوات التحريضية والمنصات الإلكترونية، والمراكز الحقوقية، والمراكز البحثية المعبرة عن توجهاتها الفكرية والسياسية والمعنية بإصدار دراسات ممنهجة وموجهة، مستندة الى معلومات غير حقيقية في تناولها للكثير من الأوضاع الداخلية المصرية.

اعتمد النظام التركي في الهروب من الضغوط الداخلية والخارجية وتضييقات الإنتربول الدولي، على "استراتيجية التتريك"، أو تجنيس قيادات الإخوان، ومنح غالبيتهم ما يعرف بـ"الإقامة الإنسانية"، بناءً على الفحص الأمني والاستخباري، والتنسيقات مع القيادات الفاعلة والمؤثرة داخل التنظيم.

ثمة متغيرات سياسية طارئة على المشهد الإقليمي والدولي، دفعت تركيا لإطلاق الكثير من التصريحات الرسمية التي تستهدف تغيير توجهاتها ونهجها واستراتيجياتها في التعامل مع الجانب المصري، وتقديم الكثير من التضحيات لإثبات حسن النيات في تحسين علاقتها بالقاهرة، أهمها الضغوط الأميركية والأوروبية ضد سياسات أنقرة، وتداعيات المصالحة الخليجية، وخريطة ترسيم الحدود البحرية وتأسيس منتدى شرق المتوسط، والترتيبات الجديدة للمشهد الليبي، الى جانب تأزم اتفاقياتها التجارية. 

 العلاقات الدائرة حالياً بين القاهرة وأنقرة، قائمة على مستوى التعاون والتفاهم الأمني والاستخباري، أو ما يعرف بـ"دبلوماسية الباب الخلفي"،بعيداً عن الدبلوماسية السياسية المباشرة والأجواء الإعلامية، لإعادة ترتيب جذور المشهد بين الجانبين وفقاً لمجموعة من المطالب المتبادلة التي لا ترقى الى مستوى الشروط.

مائدة الحوار تناولت الساعات الماضية ـ وفقاً لمصادر خاصة ـ مناقشة العديد من الملفات بين وفود استخبارية رفيعة المستوى بين الجانبين، وما زالت مستمرة حتى اللحظات الراهنة، في مقدمتها تغيير السياسية التحريرية للمنصات والقنوات الإخوانية التي يتم بثها من اسطنبول، تمهيداً لإغلاقها، ورفع الغطاء المالي عنها، وحظر أي نشاط معادٍ للدولة المصرية من داخل الأراضي التركية، وتسليم عدد من القيادات المتورطة في إدارة الجناح المسلح، لا سيما الصادرة بحقهم أحكام قضائية نهائية.

طرحت مائدة الحوار كذلك التدخلات التركية في الأوضاع الليبية، ومدى تأثيرها في الأمن القومي المصري، ومسارات التطرف في عمق سيناء، وقضية ترسيم الحدود البحرية ومناطق الصلاحية في شرق المتوسط.

خلال عملية التفاوض الدائرة بين الجانبين، اتخذت أنقرة قراراً بوقف كل البرامج التي تتناول الشأن السياسي الداخلي المصري على قناة "مكملين"، وقناة "الشرق"، وقناة "وطن"، ومنع أي شخصيات توجه انتقادات حادة للنظام المصري، والإبقاء على برامج المنوعات، ووضع عدد من قيادات التنظيم تحت الإقامة الجبرية، والتلويح بتسليمهم للسلطات المصرية. 

بناءً على هذه المحادثات، عقدت الاستخبارات التركية اجتماعات مع ممثلين من القيادات الإخوانية، تم خلالها استبعاد كل من ياسين أقطاي (مفوض التنظيم الدولي داخل تركيا)، ومستشار الرئيس أردوغان، وكذلك أيمن نور (ممثل العناصر المصرية الهاربة في الخارج)، وشارك في اللقاءات كل من حمزة زوبع، رئيس رابطة الإعلاميين الإخوان، ومدحت الحداد، رئيس مجلس شورى الإخوان في إسطنبول، وأحمد الشناف مدير فضائية "مكملين"، ومختار العشري، وتم إبلاغهم نصياً وقف أي أنشطة معادية للدولة المصرية، وضرورة مغادرة الكثير منهم الأراضي التركية، خلال مدة زمنية لا تتعدى الثلاثة أشهر، وتصفية أعمالهم في عمق اسطنبول.

تبعت ذلك مجموعة من القرارات الهامة، منها تجميد تسليم جوازات سفر تركية لعناصر إخوانية، وشخصيات تابعة للجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد المصري، كان من المقرر تسليمها لقيادات من الحراك المسلح أمثال علاء سماحي، ويحيى موسى، في ظل تجهيز قائمة جديدة من شباب الإخوان كان من المفترض منحها الجنسية التركية. وقرر جهاز الأمن الداخلي مراجعة ملفات العناصر الإخوانية التي دخلت الأراضي التركية منذ عام 2103، مواكبة مع صدور تعليمات بسحب المرتزقة السوريين الموالين لأنقرة من الأراضي الليبية، وإبلاغهم تجهيز أمتعتهم وأنفسهم من أجل عودتهم إلى سوريا، (وفقاً لبيان صادر عن المرصد السوري لحقوق الإنسان).

ووضعت الاستخبارات التركية 300 عنصر إخواني وأصولي على القائمة السوداء للإرهاب نهاية عام 2020، واعتقلت منهم 23 خلال عملية المتابعة والفحص الأمني لإتمام التجنيس والإقامة الإنسانية، بتهمة تواصلهم مع أجهزة استخبارية خارجية وتوفير بعضهم ملاذات آمنة لعناصر منتمية الى تيارات السلفية الجهادية المسلحة.

ويرغب النظام التركي، من خلال "المباحثات الصامتة" مع الجانب المصري، في تحقيق مكاسب سياسية، في ظل تدهور أوضاعه الداخلية، وانهيار شعبيته، وفشله في حسم الكثير من القضايا الإقليمية لمصلحته في سوريا وليبيا واليمن.

وتمثل "مذكرة التفاهم" حول ترسيم حدود مناطق الصلاحية البحرية في شرق المتوسط، بين القاهرة وأنقرة، أهم المطامع السياسية لتركيا، والتي من شأنها تسهيل تطبيع العلاقات بين الجانبين، في ظل تعارض ترسيم الحدود البحرية مع قانون أعالي البحار الذي لم توقع عليه تركيا، واحترام مصر علاقاتها القوية والوثيقة مع قبرص واليونان.

أصبحت قيادات الإخوان عبئاً ثقيلاً على أنقرة، بعدما تحوّل التنظيم كياناً هشاً غير فاعل ومؤثر في خريطة السياسة الدولية، وعائقاً أمام طموحات النظام التوسعي التركي،  فارتأت التضحية به والتخلص منه سريعاً، في ظل تعثر مساعيها في المنطقة العربية والشرق الأوسط.

قرار التقارب التركي المصري، من شأنه التأثير في تموضع (الإخوان المصريين) في منطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية، لما له من تداعيات على خريطة انتشار المؤسسات السياسية والفكرية والإعلامية التابعة للجماعة التي اخترقت اسطنبول وضواحيها عقب صدامها مع النظام السياسي المصري الحالي. 

يأتي في مقدمة المؤسسات التي ربما تتأثر فعلياً بقرار المصالحة الأمنية والدبلوماسية، "اتحاد الجمعيات المصرية في تركيا"، الذي تأسّس عام 2018، ويضم عدداً من المنظمات الإخوانية، ويشرف عليه مدحت الحداد، وكذلك "جمعية الحكمة"، التي تأسّست عام 2002 في منطقة الفاتح في إسطنبول، على يد جمال الدين كريم (تركي من أصل سوري)، ويتولى رئاستها التنفيذية حالياً الإخواني المصري عبد العزيز إبراهيم، أحد رجال خيرت الشاطر، ولديها أجندة تتبنى تقديم مشاريع قطبية فكرية، وتستهدف التركيز على قطاعات المراهقين والشباب، والهيمنة على الجاليات العربية. 

لن تكون القنوات الفضائية (المهددة بالإغلاق حالياً)، والمنصات الإلكترونية والمراكز البحثية والحقوقية الإخوانية التي تبث من الداخل التركي، بعيدة عن التأثر بقرار التقارب الأمني الاستخباري، مثل "المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية"، ويشرف عليه عمرو دراج، ومركز "العاصمة"، ويشرف عليه أحمد عبد الرحمن، ومركز وصحيفة "الاستقلال"، ومركز وصحيفة "المنصة"، ويشرف عليها الدكتور وصفي أبو زيد، وشبكة "محرري الشرق الأوسط وأفريقيا"، وتمثل واجهة للكيان الصهيوني من داخل تركيا، ويديرها الصحافي الإخواني أبو بكر خلاف، فضلاً عن عدد كبير من المؤسسات الحقوقية والبحثية.

وتعتبر "جمعية النسيج الاجتماعي"، من المؤسسات الإخوانية الفاعلة في الداخل التركي، والمهددة بالإغلاق بعد سيطرة عناصر إخوانية على مفاصلها، إذ كانت الملاذ الآمن لقيادات الجماعة وشبابهم عقب ثورة 30 حزيران (يونيو) 2013، واستضافتهم داخل معسكراتها المنتشرة في إسطنبول، ويشرف عليها مباشرة، الداعية الإخواني نور الدين يلديز، الملقب بمفتي الرئيس أردوغان. تليها مؤسسة "تيار الأمة"، التي يديرها محمود فتحي، أحد منظّري التيار السلفي، (تربطه علاقة قوية بياسين أقطاي)، وتروج لمشروع سياسي ديني، يسعى الى توحيد الحركات والجماعات الأصولية، تحت مظلة "تيار الأمة"، ويتخذ علم "الدولة العثمانية"، رمزاً له. 

قلق جماعة الإخوان من تغيير الخريطة السياسية، أو توقع سقوط نظام الرئيس رجب أردوغان، دفعها مبكراً للتفكير في طرح المسارات البديلة، على مستوى التمركز التنظيمي والسياسي والإعلامي، في عمق عدد من الدول الأوروبية والآسيوية، لتأسيس منصات وقنوات تعبر عن خطابها الفكري، وسياساتها  العدائية ضد الدولة المصرية ومؤسساتها.

فخلال العام الأخير، أسست الجماعة فعلياً عدداً من المنصات والمواقع الإلكترونية البديلة، من داخل لندن، تحسباً لهذه الخطوة، فضلاً عن إطلاق نوافذ إعلامية على اليوتيوب، وقنوات فضائية، مثل قناة "الدعوة"، وقناة "ق"، التابعة لاتحاد علماء المسلمين، الواقع تحت إشرف يوسف القرضاوي.

يواكب ذلك تأسيس  أيمن نور شركة إعلامية جديدة في لندن، تحت اسم "الشرق للخدمات الإعلامية" بميزانية جديدة وتمويل من "حزب الله"، وتشرف عليها نهاية الطوبجي (إنكليزية من أصول فلسطينية ومقربة من "حزب الله"، ومعنية بمتابعة التمويلات اللازمة)، والتي ستصبح بديلاً من شركة "إنسان ميديا" وقناة "الشرق" التي تبث من داخل تركيا، والحاصلة على الترخيص من جمهورية سيشل الأفريقية.

يلعب "حزب الله" وإيران حالياً، البديل الداعم مالياً ولوجستياً لجماعة الإخوان وحلفائها، في ظل التعثر المالي عقب تراجع كل من قطر وتركيا وتداعيات التفاهمات الحالية، ومن المفترض أن تطلق الشركة الجديدة، مجموعة من المنصات الإعلامية خلال المرحلة المقبلة، والتي من شأنها توجيه الانتقادات للنظام المصري والنظام السعودي، بما يحقق الحفاظ على المصالح السياسية للنظام الملالي.  

الدعم الإيراني جاء بناءً على لقاءات تمت بين ممثلين للحرس الثوري، وعناصر من "حزب الله" وأيمن نور وعناصر إخوانية خلال الفترة الأخيرة، بهدف دعم تمويل الجبهة المعادية لمصر، وتمرير الاتفاق على أجندة عمل حول خريطة تحركات سيتم تنفيذها خلال المرحلة المقبلة.

عن "النهار" العربي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية