الإخوان المسلمون في شمال أفريقيا: آليات التحرك وتحديات السلطة

الإخوان المسلمون في شمال أفريقيا: آليات التحرك وتحديات السلطة


17/11/2020

يبدو أنّ حضور الإسلام السياسي في الدول العربية بشمال إفريقيا، يأتي استجابة لعدد من العوامل الإقليمية والدولية، خلال العقود الأخيرة من القرن الماضي، الذي شهد انكساراً حاداً للمشروع القومي في المشرق العربي، وهم ما يتصل كذلك مع المتغيرات الدولية، فضلاً عن سؤال الهوية؛ الذي تجلى واضحاً إبان خوض دول المغرب العربي تحدي الاستقلال، وبروز الدين الإسلامي كمحدد للهوية، الأمر الذي أدّى إلى تبلور الإسلام السياسي في صيغة "الإخوان المسلمين"، في دول شمال إفريقيا، كتنظيم موازٍ للجماعة الأم، التي نشأت العام 1928 في مصر، ما صنع مقاربة معرفية وتنظيمية، ارتبطت عضوياً بمحددات الأهداف الرئيسية للتنظيم الدولي.
بناء على ذلك، جاءت قناعة تنظيمات الإسلام السياسي في دول شمال إفريقيا، بعدم الاعتراف بشرعية الدولة الوطنية، التي تأسّست عقب مرحلة الاستقلال الوطني، وسعت تلك التنظيمات نحو تحيُّن اللحظة الحاسمة؛ لفرض رؤية التمكين والانقضاض على الدولة الوطنية، وفرض مشروع الدولة الإسلامية.

جرى ذلك بمقاربات وفق مساحات متباينة بين دول شمال إفريقيا، التي خبرت فيها تنظيمات الإسلام السياسي ممارسة آلية الحكم بمستويات مختلفة، وإن طرحت أحداث العقد الأخير متغيراً فاصلاً في عبور تلك التنظيمات، إلى مواجهة تجربة الحكم والاحتكاك بالمواطنين، ومن ثم التعرض لموجات حادة من الانتقادات، خاصّة وأنّ كافة الشواهد أبرزت تحالفاتهم الإقليمية، التي تخاصم مصالح دولهم. 
ظروف النشأة وعوامل التمدّد
ربما يمكن الاتفاق على أنّ ظروفاً متقاربة، أدّت إلى نشوء تنظيمات الإسلام السياسي في الفضاء المغاربي، والحقيقة أنّ أزمة الثقة التي تضرب تلك التنظيمات، مع المواطنين في بلادهم، وإخفاقاتهم المتواصلة في تجربة الحكم، جاءت نتيجة منطقية للوحدة العضوية، التي تجمع تلك التنظيمات على مستوى النشأة الفكرة التأسيسية، وراهنية التفاعل والحضور.

قناعة تنظيمات الإسلام السياسي في دول شمال إفريقيا عدم الاعتراف بشرعية الدولة الوطنية

ويذهب أستاذ العلوم السياسية الجزائري، الدكتور يحيي بوزيدي، إلى أنّ "ثمة جملة من الخصائص المميزة للحركات الاسلامية المغاربية، نظراً للتقارب الجغرافي، وتقاطع الأحداث التاريخية فيها، لعل أبرزها هي تلك السمات المتصلة بنشأتها، والتي تظهر في تأثير الاحتلال الفرنسي على الكثير من رموزها، الذين كان لهم دور في مواجهة الاستعمار، إلى جانب نخب وطنية أخرى من مشارب أيديولوجية مختلفة"، موضحاً في حديثه لـ"حفريات" أنّه "في هذه المرحلة كان هناك قدر من التمايز عن الحركات الإسلامية المشرقية، رغم تواصل الطرفين مع بعضهما البعض، وتأثر النخب الدينية المغاربية بحركة الإصلاح التي قادها بشكل خاص محمد عبده، غير أنّ استحقاق الاستقلال ومحنة الاحتلال، كانتا أكثر ما يشغل المغاربة، وجل التنظيمات الدينية التي ظهرت في تلك الحقبة، سواء جمعيات أو أحزاب، لم تبد أيّ تأثر على هذا المستوى بالمشرق، ولكن الجيل الثاني من الحركات الإسلامية المغاربية، الذي تأسّس بعد الاستقلال، كان أكثر تأثراً بالحركات الإسلامية المشرقية، رغم محاولته الارتكاز على الإرث التاريخي للحركات الإصلاحية الوطنية السابقة". 

ولفت بوزيدي إلى أنّ "هذا التماهي مع النماذج الوافدة من بيئات جغرافية أخرى، استمر وتجلى بصورة أكبر في طريقة تعاطي الإسلاميين المغاربة مع الثورة الإيرانية، التي حاول بعضهم محاكاتها، وتكرر الأمر نفسه مع التجربة التركية لاحقاً".
وأضاف الأستاذ بجامعة جيلالي ليابس؛ أنّ "اختلاف الحركات الاسلامية المغاربية في منسوب تفاعلها مع الأنظمة السياسية الحاكمة، وترددها بين المشاركة والمغالبة، ربما يعود إلى الإسلاميين الجزائريين، السباقين لهذا الخيار من خلال المشاركة في نظام الحكم، عبر التحالف الرئاسي الذي جمع حزب حركة مجتمع السلم، مع حزبي جبهة التحرير الوطني، والتجمع الوطني الديمقراطي، وقد حققت الحركة بذلك مكاسب عديدة، أهمها تثبيت وجودها وعدم استعدائها من طرف النظام السياسي، كما حصل مع الجبهة الاسلامية للإنقاذ". 

حضور الإسلام السياسي في الدول العربية بشمال إفريقيا أتى استجابة لعوامل إقليمية ودولية في القرن الماضي


ويستدرك بوزيدي "لكن في المقابل خسرت الحركة الكثير من رصيدها الشعبي، وظهر ذلك في إخفاقها في الوصول إلى سدة الحكم، بعد الانتفاضات الشعبية في العام 2011، على عكس إسلاميي تونس والمغرب، الذين تداخلوا في منظومة الحكم، بيد أنّ الطرفين يواجهان نفس التحدي الذي سبق أن مرت به حركة مجتمع السلم الجزائرية، حيث تحملهما الجماهير مسؤولية الفشل في تحقيق مكاسب كبيرة، وتطوير بلدانهما، ما يعكس قصوراً كبيراً في برنامجهما".
بين المساومة السياسية والسعي نحو التمكين
وإن كانت كل من حركة النهضة التونسية، وحزب العدالة والتنمية المغربي، يجادلان بأنّ المشكل يكمن في هامشية موقعهما في السلطة، رغم وجودهما داخل الحكومة والبرلمان، وهي الحجة نفسها التي برّرت بها حركة مجتمع السلم الجزائرية إخفاقاتها، فقد بدا واضحاً فشل هذه الحركات في التموقع بشكل جيد، داخل بنية صنع القرار الفعلّية، وهنا مكمن التحدي الذي يواجه الإسلاميين المغاربة، في المستقبل القريب والمتوسط، والمتمثل في المواءمة بين خيار المشاركة، وما يقتضيه من تجسيد وعود تُقطع للناخبين .

 ويأتي تقدير الدكتور، رافع الطبيب، أستاذ العلوم الجيوسياسية، بجامعة منوبة التونسية، أنّ "الظاهرة الإخوانية في تونس والجزائر والمغرب الأقصى، تعد حديثة نسبياً اذا ما قورنت بنظيراتها في المشرق، وتعتبر في ليبيا استثناءً في منطقة المغرب؛ نظراً لقدم التسرب الإخواني لهذا البلد، منذ السنوات الاولى للأربعينات". 
ويضيف الأكاديمي التونسي، لـ"حفريات" أنّ الحركة الاخوانية لم تساهم في أهم حراك تاريخي في المغرب، ويعني بذلك حركة التحرير الوطني، ومرحلة الكفاح المسلح، وحروب الأحراش، التي فتحت المجال للفوز بالاستقلال الوطني، وبناء الدولة الوطنية في تونس والجزائر والمغرب، مؤكداً أنّ "هذا الغياب مثّل أحد أهم المآخذ التي حفظتها الذاكرة الوطنية، ما وضع عائقاً كبيراً أمام الإخوان، في معركتهم لإثبات شرعية حركتهم". 

طرحت أحداث العقد الأخير متغيراً فاصلاً في عبور تلك التنظيمات إلى مواجهة تجربة الحكم والاحتكاك بالمواطنين


ويرى الطبيب أنّ "إخفاقات الدولة الوطنية، وقوة الخطاب الرجعي والسلفي المعادي لما راكمته تجارب التحديث المجتمعي في تونس والجزائر، وضرورات التصدي للمد التقدمي ولليسار، التي انتهجتها سلطات الدول المغاربية، أفسح كل هذا المجال أمام الإخوان، ما ساعدهم على التمكين في عديد المجالات، خاصّة تلك التي هجرتها القوى التقدمية، بفعل القمع الذي واجهته، خاصّة في الحقلين النقابي والجامعي". 

رافع الطبيب: حركات الإخوانية في كل بلدان المغرب في مرحلة تفكك كبير وانحسار شعبيتها


ويضيف خبير الشؤون الجيوستراتيجية، بمؤسسة الدراسات الأمنية والاستشراف أنّ "عشرية الثمانينيات من القرن الأخير، شهدت تحالفات انتهازية بين بعض أجنحة الحكم في تونس وفي الجزائر مع الإخوان، في ظل أزمة عميقة للدولة، بفعل الصراعات التي مزقت نظامي البلدين، على خلفية الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، وانسداد أفق الحل الدستوري؛ لحسم خلافة الزعيم بورقيبة في تونس، فشهدت تلك الفترة انقلاباً في مواقف الحركات الإخوانية في المغرب العربي، حيث بدأت قياداتها في التخطيط للخروج من عباءة الأنظمة، ومن وضعية الحليف إلى المعارضة العنيفة، والعمل المسلح السري، بانتهاء عشرية الثمانينيات، كانت الحركات الإخوانية قد كونت الخلايا الإرهابية المقاتلة في كل من ليبيا والجزائر، ورفعت شعار إسقاط الدولة، وتعويضها بالخلافة".

التماهي مع النماذج الوافدة استمر وتجلى في طريقة تعاطي الإسلاميين المغاربة مع الثورة الإيرانية


ولفت الطبيب، إلى أنّ "الوضع الداخلي في تونس، شهد دخول حركة النهضة الإخوانية صراعاً شديد العنف في الشارع، عبر اعتماد الصدام مع الأمن والمؤسسات والمنظمات الاجتماعية والحزبية، التي رفضت نهجها الانقلابي، اذ سعى الإخوان، في هذه الفترة، نحو اختراق أجهزة الدولة، وعلى رأسها القوات العسكرية، للتحضير للاستيلاء على السلطة، حيث تمكن الإخوان من جمع بعض العشرات من الضباط، من أصحاب الرتب السفلى للجيش، فيما سمي بخلية براكة الساحل، وخططت لمهاجمة القصر الرئاسي".

أما في ليبيا فقد انسلخ بعض الضباط من الجيش، بحسب الطبيب، والتحقوا بأحراش الجبل الأخضر، ليكونوا أول خلايا الجماعة الليبية المقاتلة، لافتاً إلى حداثة تعرض الاسلام السياسي لتجربة الحكم في الفضاء المغاربي، وأنّ مرور الإخوان بالحكم في تونس وليبيا وبدرجة أخرى في المغرب، بدت عدم الهيمنة الكاملة، في نظرهم، حجة لفقدانهم القدرة على قيادة الدولة، والتفاعل الخلاق مع المواطنين، "لذلك اعتمدوا تزوير الانتخابات، مثلما حصل في تونس في العام 2019 باللجوء الى التمويل الخارجي المشبوه، وشركات التلاعب الاتصالي الغربية، أو بالانقلاب على نتيجة الصندوق، برفع السلاح أمام الهيئات المنتخبة، كما هو الحال في ليبيا، أمّا في الجزائر، فقد وضع الإخوان أنفسهم تحت تصرف المخابرات الغربية، وبالأخص الفرنسية للعمل على تأزيم الأوضاع، بالالتحاق بما يسمى "الحراك"، الذي مثّل التقاءً انتهازياً لكل دعاة اسقاط الدولة، وتعويضها بالتنسيقيات الجهوبة والمحلية ذات التوجه الشعوبي".
ويؤكد أستاذ العلوم الجيوسياسية، بجامعة منوبة، أنّ "أهم ديناميكية يلاحظها المتابع للحركات الإخوانية في كل بلدان المغرب، هو حالة التفكك الكبير التي أصابت هذه الجماعات، وانفراط عقدها، وانحسار شعبيتها، بعد إخفاقاتها في الحكم، وتحالفاتها مع المنظومات الاقتصادية الفاسدة، وتخليها عن شعاراتها، وبروز الثراء الفاحش على جل قياداتها".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية