"الأزمة الأمنية"... العقدة والحل في حلقة الصراع الليبي

"الأزمة الأمنية"... العقدة والحل في حلقة الصراع الليبي


11/11/2020

تتجدد آمال الليبيين في كل مرّة تُعقد فيها جلسة للنقاش والتفاهم بين مختلف القوى السياسية والعسكرية بالبلاد، رغبة في أن تفضي جهود تلك الحوارات إلى تحقيق مسارات شاملة للسلام والاستقرار والتنمية، لكنها تظل آمالاً محفوفة بالحذر والغموض في ظل الكثير من التساؤلات المعلقة منذ أعوام، أهمها يتعلق بجدية وقدرة الحل السياسي على وضع حد للأزمة الممتدة منذ نحو 10 أعوام. 

وبالتزامن مع انعقاد جلسات ملتقى الحوار السياسي الليبي في العاصمة التونسية، صباح الإثنين، لم يكن سقف الآمال على المستويين؛ المحلي والأممي مرتفعاً، بالعكس جرت المفاوضات على مدار يومين في أجواء تُسيطر عليها التشاؤمية إلى حد كبير، خاصة في ظل إعلان الميليشيات المسلحة المدعومة من أنقرة والتابعة لحكومة الوفاق بالبلاد رفضها لبنود اتفاق (جنيف 5+5)، وما زالت تتمسك بالسلاح، رغم أنّ لقاء تونس مشروط بحلّ تلك الميليشيات، بل هدّدت بالعمل على نسف جهود كل المبادرات السابقة. 

المصراتي: تركيا انتهكت كافة البنود التي تم الاتفاق عليها في مؤتمر (جنيف 5+5) وبالتالي ليست هناك جدية في التعاطي مع حلول حقيقية للأزمة

ويناقش 75 شخصية ممثلة لمختلف القوى السياسية والمجتمعية الليبية في اللقاء الممتد لـ6 أيام بدءاً من الإثنين 9 تشرين الأول (نوفمبر) الجاري، وضع أسس ومعايير تشكيل السلطة التنفيذية الجديدة في ليبيا، التي ستتولى الإعداد لانتخابات برلمانية ورئاسية، ووفقاً للمسودة الخاصة بالاتفاق الجديد بين الفرقاء الليبيين، ستتكوّن السلطة التنفيذية الجديدة في البلاد من مجلس رئاسي جديد برئيس ونائبين يعكسون التوازن الجغرافي بين أقاليم البلاد، وحكومة موحدة تتكوّن من رئيس وزراء يختار نوابه وتشكيلته الحكومية، يتولى هذان المكوّنان إدارة المرحلة الانتقالية بالتوافق لمدة 18 شهراً، قابلة للتمديد إلى 6 أشهر أخرى، إذا ما تأخر العمل على أهمّ مهامّها المتمثلة بإنجاز القواعد الدستورية اللازمة لتدشين المرحلة الدائمة.

لا حل بدون "حل" الميليشيات

ويقول الكاتب المصري المتخصص في الشأن الليبي أحمد جمعة: إنّ بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا تتغافل عن وجود الميليشيات المسلحة التي تسيطر على مؤسسات الدولة الليبية في العاصمة طرابلس وعدد من مدن المنطقة الغربية، وتمثل تهديداً لأي تسوية سلمية مستقبلية في البلاد.

ويوضح في تصريح لـ"حفريات" أنه رغم ورود ملحق كامل للترتيبات الأمنية في اتفاق الصخيرات الموقع عام 2015 يقضي بضرورة حلّ الميليشيات المسلحة وتسليم أسلحتها وتوحيد المؤسسة العسكرية، إلا أنّ المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق لم ينفذ هذه الترتيبات، بل تحالف مع هذه الميليشيات ومنحها المال والسلاح والدعم السياسي والإعلامي، مشيراً إلى أنّ الميليشيات المسلحة والمرتزقة السوريين والتدخلات العسكرية التركية تُعد أبرز المعوقات التي ستواجه الفرقاء الليبيين في التوصل إلى حل سلمي شامل للأزمة الليبية، كون هذه الميليشيات المعرقل الرئيسي لأيّ اتفاقات يتم التوقيع عليها بين الفرقاء الليبيين.

من جانبه، يقول الدكتور محمد الزبيدي المحلل السياسي الليبي: إنّ المخرجات المتعلقة بالمسار العسكري، إلى حدّ ما، حقق قدراً من التقدم في مسار الأزمة الليبية بفضل التفاهمات ما بين العسكريين الليبيين حول ضرورة إخراج المرتزقة من البلاد بشكل نهائي والقضاء على الإرهاب وجميع العناصر المسلحة، لكن في المقابل اصطدمت نتائج مؤتمر جنيف بصخرة الميليشيات التي رفضت تنفيذها على أرض الواقع، وكذلك الضباط الذين جاؤوا من غرب ليبيا لم تكن لديهم القدرة والقوة والإمكانية للتصدي لتلك الميليشيات وإجبارها على مغادرة البلاد. 

الحل السياسي يربك المشهد

ويتابع الخبير الليبي لـ"حفريات" أنّ الحل السياسي هو أحد العوامل التي تتسبب في ارتباك المشهد الليبي، وسيدخل البلاد في دوامة، لأنه بُني على الثلاثيات، 3 في المجلس الرئاسي، ومثلهم في الحكومة، والبرلمان، وتسبب في تقسيم ليبيا إلى ما كانت عليه وقت الاحتلال العثماني، ولايات برقة، وطرابلس، وفزان، لذلك فإنّ هذا المسار يقطع الطريق أمام تحقيق أي حل حقيقي في البلاد، بالتغاضي عن الأزمة الأمنية.

اقرأ أيضاً: تنظيم داعش يعود إلى مدن غرب ليبيا... من المسؤول؟

ووصف الكاتب الصحفي الليبي محمود المصراتي اللقاء باعتباره مجرّد لقاء لتقاسم السلطة، بعد أن فشل مؤتمر بوزنيقة في ذلك، لكنه عجز عن تقديم حلول واقعية للأزمة الليبية المحتدمة على مدار أعوام، والتي صنفها المبعوث الأممي السابق غسان سلامة بأنها أزمة أمنية بامتياز. 

 وقال المصراتي: إنّ النتائج لم تأتِ بجديد، وإنّ الأمم المتحدة تريد أن تصل إلى نتائج مختلفة وهي تسير على المعطيات نفسها منذ عدة أعوام، دون مراعاة الحل الأمني والعسكري. 

وبالرغم من الترحيب الدولي بالمبادرات التي وضعت حلولاً نظرية للأزمة الليبية، التي هي في جوهرها "أزمة أمنية"، إلا أنّ هذه الحلول ضلت طريقها إلى الواقع، ولم تتمكن القوى الدولية من تنفيذها، والسبب في ذلك يرجع إلى تعنت الجانب التركي وتمسكه بالتواجد العسكري ودعم الميليشيات داخل الأراضي الليبية، في تحدٍّ واضح وصريح لقرارات الأمم المتحدة ولشرعية القرارات الدولية. 

جمعة: الحل الأمني والعسكري للأزمة الليبية هو قاطرة للحل السياسي في البلاد، كون الأزمة الليبية أزمة أمنية وليست سياسية

تركيا تتحدى المجتمع الدولي

وأكد المصراتي أنّ تركيا انتهكت كافة البنود التي تم الاتفاق عليها في مؤتمر (جنيف 5+5)، وبالتالي ليست هناك جدية في التعاطي مع حلول حقيقية للأزمة.

ويرى جمعة أنّ  الحل الأمني والعسكري للأزمة الليبية هو قاطرة للحل السياسي في البلاد، كون الأزمة الليبية "أزمة أمنية وليست سياسية، لذا يجب أن يتم حلّ الميليشيات المسلحة وتجفيف منابع تمويل الميليشيات المسلحة التي تأتي من تركيا وقطر لدعم تيار الإسلام السياسي وميليشياته بشكل خاص والتشكيلات المتطرفة بشكل عام، خاصة في جنوب وغرب البلاد".

ويقول جمعة: إنه يجب إخراج تركيا ومرتزقتها من المشهد العسكري الليبي بشكل كامل، حتى يتمكن الفرقاء الليبيون من الوصول إلى حل سياسي للأزمة المتفاقمة منذ عقد كامل، وهو ما يؤثر على أمن واستقرار دول الجوار الليبي ويهدد أمن واستقرار الدول الأوروبية التي يمثل الساحل الليبي تهديداً كبيراً لها، بسبب وجود جماعات متطرفة ومرتزقة سوريين وجماعات الاتجار في البشر.

من جانبها، عبّرت رئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بالإنابة ستيفاني ويليامز عن أملها في التوصل إلى اتفاق شامل للأزمة الليبية، ودعت الليبيين إلى العمل من أجل ليبيا جديدة بعد أعوام من الحرب والدمار، لافتة إلى أنّ طريق الوصول إلى "هذا الملتقى لم تكن مفروشة بالورود، ولم تكن سهلة".

لكنها عبّرت في كلمتها، خلال افتتاح جلسات الملتقى، عن تفاؤل الأمم المتحدة بالخطوات الواثقة في المسارات المتعددة، بالاعتماد على عزيمة وإرادة الشعب الليبي، وحقه في حماية وطنه وسيادته وثروات بلاده.

كما أكد الرئيس التونسي قيس سعيد أنّ الليبيين قادرون على تجاوز كل الصعوبات والعراقيل. وأضاف أنّ ليبيا اليوم على موعد مع التاريخ؛ إذ إنّ الحوار خطوة مهمّة لوضع دستور مؤقت وروزنامة محددة للانتخابات، حتى تخرج إرادة الشعب الليبي من صناديق الاقتراع حرّة، وتنهي صوت الرصاص.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية