الأزرق للولد، والزهري للبنت. أية مهزلة هذه؟

الأزرق للولد، والزهري للبنت. أية مهزلة هذه؟

الأزرق للولد، والزهري للبنت. أية مهزلة هذه؟


21/02/2018

 

أهرول بين ممرات الطابق الثالث لأصل إلى محاضرتي التي بدأت منذ ثلاث دقائق.

 

ألتحق بالمحاضرة وأجلس في الصف الأول، ثم أفتح كتابي وأبحث عن قلمي في حقيبتي الصغيرة، وإذ بي أجد قلم حبر زهري اللون، فأمسكه وأبدأ بالكتابة، بينما أمقت حظي لكوني لست من عشاق اللون الزهري، بل الأزرق منذ الصغر.

أنسى القلم ولونه، وأركز على كلام الأستاذ، وأنا أدوّن المعلومات على كتابي البنفسجي بكل تمعن، بينما تتدفق العبارات عن النظريات السياسية المتنوعة في الدراسات الدولية على ورقي.

 الذكر سيستلم زمام أسرة ومجتمع تخضع له المرأة، فإن ابتعد عن الطابع الذكوري ابتعد عن كرسي الحكم

ننتقل من نظرية إلى أخرى، وينتقل قلمي من سطر إلى آخر، ولكنني أتوقف عن الكتابة فجأة عند النظرية التالية: "الحركة النسوية".

ملاحظة: أنظر إلى الصف وأكتشف للمرة الأولى بأن عدد الشابات يفوق عدد الشباب.

ملاحظة: يبدأ الجميع بتعريف الحركة النسوية على هواه.

أجلس وأستمع إلى تعليقات زميلاتي المتناقضة، بينما ينحرف تفكيري عن سكة المحاضرة ويطفو في عالم أفكاري الخاصة؛ حيث يقطن كانط وروسو، ويتناقش أفلاطون وسقراط، ويكتب سارتر ونيتشه ويحلل ماركس.

الأنثى تولد إنساناً

يعيدني صوت خافت لامرأة تردّد "الأنثى تولد إنساناً ثم تصنع امرأة" إلى المحاضرة، وإذ بالأستاذ يقول "بالمختصر….المجتمع لن يتقبل فكرة أن يلعب ذكر بلعبة أنثى كما يتقبل فكرة أن تلعب الأنثى بألعاب الذكر. أليس ذلك صحيحاً؟". يهز جميع الطلبة رأسهم باقتناع، وإذ بصوت المرأة صاحبة اللكنة الفرنسية يصبح أكثر حدة في عقلي ويعلو "لماذا؟ هذا هو السؤال الصحيح يا أستاذ…لماذا؟".

 لماذا صنّف المجتمع طباع المرأة الحديدية بالذكوري؟ أهو بسبب تصرفاتها أم إنجازاتها؟ أم ماذا بالضّبط؟!

يتابع الأستاذ الكلام بينما أستسلم أنا للصوت الذي يجتاح صدى كلماته عقلي، فأمسك بقلمي الزهري، وأكتب:
لماذا يعلن المجتمع حالة الطوارئ أمام فكرة أن يلعب الذكر بألعاب الأنثى بينما لا يكترث كثيراً لظاهرة أن تلعب الأنثى بألعاب الذكر؟

"لأننا نعيش في مجتمع أبوي" همس صوت المرأة في عقلي فجأة "لأن الذكر سيستلم زمام أسرة ومجتمع تخضع له المرأة، فإن ابتعد عن الطابع الذكوري ابتعد عن كرسي الحكم، وإن ابتعد عن عرشه…فتح أبواب قلعته أمام التغيير، وإن غيّر أعتق، وإن أعتق حرر، وإن حرر استقلت تاء التأنيث في معجم مجتمعه وتحولت من تابع إلى متبوع. لأن المرأة محكومة وليست حاكماً". لا تنسي كيف أرسى القديس بول مبدأ إلحاق المرأة بالرجل "كما تخضع الكنيسة ليسوع تخضع المرأة للزوج".

"الأنثى تولد إنساناً ثم تصنع امرأة"

تعيدني همسات المرأة الفرنسية إلى المحاضرة وصوت الأستاذ: "مارغريت تاتشر لقبت بالمرأة الحديدية، لماذا؟ لكونها قوية الشخصية، مراوغة، أي تحمل طابع تفكير ذكورياً".

يصرخ صوت المرأة في عقلي فجأة، وتتغير ملامح وجهي لتصبح أكثر ذعراً، يتابع الأستاذ الكلام، بينما أمسك قلمي الزهري وأكتب مجدداً:

لماذا صنّف المجتمع طباع المرأة الحديدية بالذكوري؟ أهو بسبب تصرفاتها أم زيّها أم إنجازاتها؟ لماذا لم يضعها في خانة الطابع الأنثوي، بل لماذا لم يضعها في إطارها الإنساني العام؟

أنتظر صوت المرأة الفرنسية، وإذ بها تقول مجدداً:

"تتعرض المرأة منذ البداية إلى نزاع بين وجودها المستقل و(وجودها الآخر) أي إنها تحارب الأنا الذي يقطن في أحشائها وتقتله انصياعاً لأوامر المجتمع. هي تكبل القوة والمراوغة والعناد وتأسرها في صندوق باندورا ثم تستسلم، ولكن في بعض الأحيان ترفض الأنثى ذلك وتحرر نفسها وتحتضن كوارث الصندوق الصاخبة الرائعة المدمرة. فيجلس المجتمع مكتوف الأيدي أمام حواء التي حاولوا ترويضها ووضعها في خانة منبوذة تحت ذريعة (المسترجلين)".

لماذا وضعت المرأة الحديدية في خانة الذكورية و لم توضع في خانة الأنثوي؟ بل في خانة الإنساني! 

”هي ليست مسترجلة بل أنثى تعيش في حالة اجتماعية لا تترك لها أي مجال لإثبات وجودها. هي أسيرة حالة اجتماعية تتغذى على النقص الذي كانت تشعر به منذ طفولتها".

تذكري دائماً، تقول المرأة الفرنسية: "لا يمكننا أن نقارن بين الأنثى والذكر في النوع البشري إلا من الزاوية الإنسانية، ولا يعرف الإنسان إلا بأنه كائن غير معطى وأنه يصنع نفسه بنفسه ويقرر ما هو عليه".

يختفي صوت سيمون دي بوفوار، وهي المرأة الفرنسية التي كانت تقرع أجراسها في عقلي، وأنا أقتبس كلّ ما جاء بين مزدوجين من كتابها "الجنس الآخر"، وأتوقف عند عبارة موثرة لتلك الناشطة والمفكرة الفرنسية التي ألهمت روح النساء في العالم، وأشعلتها بالجنون والتمرد:

"كنت أحس بأنني أملك من القوى ما يمكني من أن أقلب الأرض، ولكني لم أجد حصاةً واحدة أحرّكها. كانت خيبتي شديدة".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية