إسرائيل تفرض الإقامة الجبرية على أطفال فلسطينيين بالقدس

إسرائيل تفرض الإقامة الجبرية على أطفال فلسطينيين بالقدس


13/12/2020

وسائل عقاب جديدة لا يفتأ الاحتلال الإسرائيلي يتّبعها ضدّ الأطفال الفلسطينيين، تحديداً المقدسيين منهم، لإيذائهم بشتى الوسائل، من خلال اتّباع ما يسمّى "نظام الحبس المنزلي"، أو "الإقامة الجبرية، كشكل من أشكال الالتفاف على القوانين التي تجرّم اعتقال القاصرين، بدعوى المحافظة على أمن إسرائيل، ليعدّ ذلك مخالفة واضحة للأعراف والمواثيق الدولية التي كفلت حقوق الطفل حول العالم.

الحبس المنزلي يترك آثاراً سلبية خطيرة على الأطفال، سواء كانت نفسية أو اجتماعية، أو على مستوى التحصيل الدراسي، ويزيد الأعباء على الوالدين

واتّسعت دائرة استخدام الاحتلال لهذه العقوبة مع الأطفال المقدسيين بعد جريمة قتل الطفل، أحمد أبو خضير، بمدينة القدس، وهو طفل فلسطينيّ خُطف وحرق وقتل، في الثاني من تموز (يوليو) 2014، وتزايدت الأعداد بعد "هبّة القدس"، بداية تشرين الأول (أكتوبر) 2015، التي شهدت اعتقال 700 طفل مقدسي، وفرض الإقامة الجبرية على أكثر من 350 طفلاً منهم، ولفترات متفاوتة، حتى وصل العدد خلال عام 2016 إلى 550 حالة اعتقال لأطفال مقدسيين، فرضت الإقامة الجبرية على ما يقارب 300 طفل مقدسي.

الطفل الفلسطينيّ يحاكم في المحاكم العسكرية

وبموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، حيث يجب أن يتمتع الأطفال بالحقّ برعاية وحماية خاصّتين، وبحسب المادة رقم (1) من اتفاقية حقوق الطفل؛ فإنّ الطفل هو كلّ إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة، ما لم يبلغ سنّ الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه.

ورغم أنّ الطفل الإسرائيلي، في حال اعتقاله، تتمّ محاكمته من خلال نظام قضائيّ خاصّ بالأحداث، إلا أنّ الطفل الفلسطينيّ يحاكم في المحاكم العسكرية، وفق الأمر العسكري رقم 132، الذي يسمح لسلطات الاحتلال باعتقال أطفال في سنّ 12 عاماً. 

اقرأ أيضاً: لماذا تهدد إسرائيل بقطع رواتب الأسرى الفلسطينيين؟

وتشدّد قواعد القانون الدولي الإنساني على ضرورة أن يكون الطفل، في حال وقوع بلد ما تحت الاحتلال، بعيداً عن الاستهداف أو أعمال العنف أو الاعتقال أو التعذيب.

وكان المقرّ الخاص للأمم المتحدة، المعنيّ بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، المحتلة منذ عام 1967، مايكل لينك، قد صرّح خلال زيارة إلى الأردن، في تموز (يوليو) 2019، التقى فيها ممثّلين لعدد من منظمات حقوق الإنسان، الفلسطينية والإسرائيلية، وممثلين للحكومة وللأمم المتحدة؛ بأن "الإفادات المتعلقة بحالات الاحتجاز، وحالات الأطفال المودعين تحت الإقامة الجبرية تثير القلق الشديد".

اقرأ أيضاً: تهديد إسرائيلي بجلب مليون مستوطن شمال الضفة الغربية

 وتحدّث لينك عن الضغط الذي يفرضه ذلك على الوالدين، خاصة الأمهات، ممن يتحملن في الغالب مسؤولية الرعاية الأساسية ما يجعلهنّ المُنفذ الرئيس لقيود الإقامة الجبرية لأطفالهن، معرباً عن شعوره بالجزع إزاء إفادات عن أحكام بالإقامة الجبرية على أطفال بعد اعترافات أكرهوا عليها، وأنّ هناك أكثر من 200 طفل قيد الاحتجاز حالياً.

عنف لفظي وجسدي

بدوره، بيّن قيس الصباغ والد الطفل حمزة الصباغ (13 عاماً)، من حيّ الشيخ جراح بالقدس المحتلة، خلال حديثه لـ "حفريات"؛ أن "قوات الاحتلال الإسرائيلي اعتقلت نجله، في 12  نيسان (أبريل) 2019، من المنزل، بعد أن زجّوا به، بعنف وقوّة، دون الاكتراث بجسده النحيل وطفولته البريئة، داخل الجيب العسكريّ، واقتادوه إلى مركز تحقيق المسكوبية، بتهمة إلقاء الحجارة على مجموعة من الجنود الإسرائيليين بالقرب من باب المغاربة".

ولفت إلى أنّ "طفله كان يتوسّل للجنود أثناء اعتقاله لإطلاق سراحه، إلا أنّهم انهالوا عليه بالضرب بأيديهم وأرجلهم على كافة أنحاء جسده، وقاموا بسحله على الأرض، لحين وضعه داخل المركبة العسكرية، ليقضي 37 يوماً داخل معتقل المسكوبية، في ظروف اعتقال غاية في السوء، تعرّض خلالها للضرب والعنف، اللفظيّ والجسديّ والنفسيّ، وهو مقيد بكرسيّ حديديّ من جميع أطرافه، لحثّه على الاعتراف بالتهمة الموجهة إليه".

مديرة وحدة شؤون القدس في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، ديمة السمان لـ"حفريات": العشرات من الأطفال المقدسيّين فُرضت عليهم الإقامة الجبرية، بعد أن يتمّ اعتقالهم

وتابع الصباغ؛ بأنّه "فوجئ عند الإفراج عن ولده بأنّه يحمل ورقة تحمل ختم الحاكم العسكري بفرض الإقامة الجبرية على نجله لحين المحاكمة، في 23 حزيران (يونيو)، ويمنع خلال تلك الفترة، وفق الشروط التي تضمّنها القرار العسكري، خروجه من المنزل تحت أيّ سبب كان، حتى الذهاب إلى مدرسته لتلقّي تعليمه، ما تسبّب بضياع عامه الدراسي، لعدم استطاعته خوض امتحانات نهاية العام، إضافة إلى دفع كفالة مالية قدرها 3400 شيكل (1000 دولار أمريكي)".

اقرأ أيضاً: "أسرلة" التعليم في القدس لتشويه الهوية الفلسطينية وطمسها

ووفق الصباغ، حاولت العائلة، عدة مرات، الاستئناف على القرار العسكري الإسرائيلي في محاولة لإلغائه، إلا أنّ المحكمة الإسرائيلية رفضت بشكل قاطع إلغاء الحبس المنزلي على نجله، لحين عرضه على المحكمة بالقدس، وتمّ إجبار الوالد على التوقيع على تعهّد بالالتزام بالقرار الإسرائيلي، وفي حال المخالفة سيتمّ إلزامه بدفع غرامة مالية قدرها 7 آلاف شيكل إسرائيلي (2100 دولار أمريكي).

حالة نفسيّة صعبة

ولم تختلف حالة الطفل، لؤي أبو عيشة، من بلدة صور باهر بالقدس، عن الطفل الصباغ، الذي اختطفته مجموعة من قوات الاحتلال الإسرائيلي أثناء عودته من مدرسته، في 16 شباط (فبراير) 2019، ليتمّ نقله داخل عربة تتبع لحرس الحدود الإسرائيلي إلى مركز تحقيق المسكوبية في القدس الغربية، ووضعه في غرفة وحيداً لمدة 12 ساعة متواصلة.

هناك العشرات من الأطفال المقدسيّين الذين فُرضت عليهم الإقامة الجبرية

ويضيف أبو عيشة (15 عاماً)، والذي يدرس في الصف التاسع، خلال حديثه لـ "حفريات": "قبل أن يتمّ التحقيق معي حضر أحد الجنود وقام بتعصيب عينيّ، ووضع الأصفاد المعدنية في يديّ، وبعد انتظار ما يزيد عن ساعتين، حضر أحد المحققين وصرخ في وجهي وركلني بقدمه في مختلف أنحاء جسدي، وهدّدني بأنّه سيهشّم رأسي إن لم أعترف بإلقاء الحجارة على المستوطنين".

اقرأ أيضاً: محاولات حثيثة لجعل القدس "قلب دولة إسرائيل والشعب اليهودي"

ولفت إلى أنّ "المحقّق أجبره على التوقيع على ورقة مكتوبة باللغة العبرية، ومن ثم جرى تحويله إلى المحكمة العسكرية في سجن عوفر، والتي قررت خلال جلستها الأولى فرض الإقامة الجبرية عليه لشهرين، يمنع خلالهما من مغادرة المنزل إلا للذهاب إلى المدرسة فقط، وبرفقة أحد والديه، ليعيش حالة نفسية صعبة بعد تقييد المحكمة العسكرية الإسرائيلية لحريته وحرمانه من ممارسة حياته الطبيعية".

وتابع أبو عيشة: "بعد تحديد جلسة المحاكمة، في 19 نيسان (أبريل) الماضي، قررت المحكمة العسكرية إنهاء السجن المنزلي، وإلزام والدي بدفع غرامة مالية قدرها 3900 شيكل إسرائيلي ( 1100 دولار أمريكي)".

آثار سلبيّة خطيرة

بدورها، تقول المديرة العامة لوحدة شؤون القدس في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، ديمة السمان؛ أنّ "هناك العشرات من الأطفال المقدسيّين الذين فُرضت عليهم الإقامة الجبرية، بعد أن يتمّ اعتقالهم عادة أثناء ذهابهم أو عودتهم من مدارسهم"، مبينة أنّ "غالبية هؤلاء الأطفال يتلقّون تعليمهم بالمدارس التابعة لبلدية الاحتلال الإسرائيلي، وعدد قليل منهم يلتحق بالمدارس التابعة للأوقاف الإسلامية والمدارس الخاصة".

 المديرة العامة لوحدة شؤون القدس في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، ديمة السمان

اقرأ أيضاً: لماذا تغزو شركات الاتصالات الإسرائيليّة السوق الفلسطينيّة؟

وتضيف السمّان، خلال حديثها لـ "حفريات": "الحبس المنزلي يترك آثاراً سلبية خطيرة على الأطفال، سواء كانت نفسية أو اجتماعية، أو على مستوى التحصيل الدراسي، ويزيد الأعباء على والديهم، بعد إلزامهم من قبل الاحتلال بضمان بقاء أطفالهم داخل المنازل، وفي حال خروج أبنائهم، لأيّ سبب كان، تفرض السلطات الإسرائيلية غرامات مالية باهظة عليهم، في ظلّ وضع اقتصادي صعب يعانيه سكان القدس".

اقرأ أيضاً: قرية فلسطينية تستعين بكاميرات مراقبة لردع المستوطنين الإسرائيليين

هؤلاء الأطفال يجدون صعوبة بالغة بالتأقلم مع قرار الاحتلال الإسرائيلي بفرض الإقامة الجبرية عليهم، في ظلّ حاجتهم للعب واللقاء بأصدقائهم. وخلال تلك الفترة يشعر الأطفال بالاكتئاب، وكذلك التنمّر والتمرّد على ذويهم، إضافة إلى التراجع الواضح في مستوى تحصيلهم الأكاديمي".

اقرأ أيضاً: هل يقود وقف التمويل الخارجي إلى انهيار السلطة الفلسطينية؟

وأكّدت السمان أنّ "بعض المؤسسات الصهيونية تستغلّ أوضاع الأطفال المقدسيين، الذين فرضت عليهم الإقامات الجبريّة، تحت مسمّى الدعم النفسي، في حين يكون الهدف الأساسي لعمل تلك المؤسسات هو غسل أدمغة الأطفال، وضرب هويّتهم الوطنية، وتقديم الرواية الصهيونية المزوّرة، ودمجهم داخل المجتمع الإسرائيلي".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية