أي دور للسفير مسجدي في تثبيت أركان الحكم العراقي؟

أي دور للسفير مسجدي في تثبيت أركان الحكم العراقي؟


25/11/2019

إذا كان قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، قد عُرف على نحو واسع، عربياً وغربياً، بوصفه "مهندس" الحكم العراقي، لجهة تثبيت رجال إيران في حكم البلد الذي دخل معها في حرب مدمرة، فإنّ قليلاً من الضوء تمّ تسليطه على رجل إيران الحقيقي في العراق، و"سفيرها" ببغداد؛ العميد إيرج مسجدي.

اقرأ أيضاً: هل يستسلم ساسة العراق ولبنان للناس؟
ظلّ الرجل، لأعوام طويلة، نائباً لقاسم سليماني، و"القائد الميداني لإدارة العراق"، بحسب أوامر زعيم الثورة الإيرانية، علي خامنئي، حين كان مسؤولاً عن المجموعات العراقية المعارضة قبل الغزو الأمريكي، عام 2003، خاصة تلك المرتبطة، فكرياً وتنظيمياً وعسكرياً، بنظام طهران، مثل: "فيلق بدر"، و"الجناح العسكري السري" لـ "حزب الدعوة الإسلامية"، وقوات البشمركة الكردية.
لاحقاً، وبعد صعود تنظيم داعش، كان لمسجدي دور بارز في تأسيس قوات الحشد الشعبي وتسليحها وتنظيمها وإبراز القادة والتنظيمات من المجموعات الموالية لطهران حصراً بين صفوفها.

مسجدي يلقي كلمة في اجتماع مع القيادات العشائرية والدينية العراقية
وفي الحديث عن قمع وحشي للتظاهرات العراقية؛ هناك من يلفت إلى "تقارير مستقاة من داخل النظام الإيراني"، تكشف أنّ "القوى القمعية للانتفاضة العراقية والتي فتحت النار على المتظاهرين، والتي تشمل قوات الحشد الشعبي والقوات الأمنية، تعمل جميعاً تحت قيادة إيرج مسجدي".

ظلّ مسجدي لأعوام طويلة نائباً لقاسم سليماني و"القائد الميداني لإدارة العراق" بحسب أوامر زعيم الثورة الإيرانية علي خامنئي

الرجل المولود 1957 في خوزستان العربية، جنوب غرب إيران، متحصّل على "بكالوريوس في التاريخ"، و"ماجستير دراسات إستراتيجية"، عمل أستاذاً في مختلف جامعات بلاده، لكنّه عرف خلال عمله ضمن المناصب السياسية والأمنية والاستشارية الخاصة بالقضايا السياسية والدفاعية والثقافية والاقتصادية المتعلقة بالعراق، التي كان قد دعمها باتصالات وعلاقات مع أركان الحكم العراقي بعد 2003.
هو الرجل الثالث من أركان الحرس الثوري الذين يعملون كسفراء في العراق؛ فبعد حسن كاظمي قمي (2003- 2010)، جاء حسن دانائي فار (2011 -2017)، ليخلفه مسجدي، في 11 نيسان (أبريل) 2017؛ حين سلّم نسخة من أوراقه سفيراً لبلاده، التي كانت استثمرت قضية الحرب على داعش لتمسك بالعراق فعلياً، سياسياً وأمنياً، إثر انكفاء الولايات المتحدة وخسارتها البلاد التي غزتها على أمل أن تجعلها "مثالاً يحتذى في المنطقة".

اقرأ أيضاً: في العراق.. لماذا يرفض الشيعة تدخل إيران؟
جاء العميد إيرج مسجدي، سفيراً إلى بغداد من منصبه رئيساً لأركان "قوات الحرس الثوري خارج الحدود"، التي تحمل عنوان "مقر رمضان"، وهو المنصب الذي شغله منذ الحرب العراقية الإيرانية، حين كان يشرف على حرب العصابات التي كانت تشنّها "قوات المعارضة الكردية العراقية" على جيش بلادها.
مسجدي خلال تقديم أوراق اعتماده إلى رئيس الجمهورية فؤاد معصوم 2017

"مقر رمضان" أي دور في العراق بعد 2003؟
تردّد مسجدي، مراراً وتكراراً، على المدن العراقية، بما في ذلك بغداد والناصرية والبصرة والعمارة والنجف وكربلاء، لتنشيط وجود القوى العراقية المرتبطة به وزعمائها مثل: هادي العامري (بدر)، وأبو مهدي المهندس، وأبو بلال أديب (حزب الدعوة)، وحسن الساري (المجلس الأعلى)، وغيرهم، للمضي قدماً في تبييت النفوذ الإيراني وتوسيعه في العراق.
وظلّ أبو مهدي المهندس، القائد الفعلي لقوات الحشد الشعبي العراقي، مثالاً بارزاً لقوة نفوذ مقر رمضان في العراق، فالرجل، واسمه الحقيقي جمال إبراهيم، وهو أحد القادة الكبار والقدامى في "فيلق القدس"، قضى فترةً في "كلية القيادة وهيئة الأركان" التابعة لجامعة قوات الحرس، المعروفة باسم "جامعة الإمام الحسين".

مسجدي: خروج القوات الأمريكية من المنطقة مطلب إيراني لأنّ هذه القوات لا تقوم بأيّ شيء بنّاء أو إيجابي

وعام 2007؛ أنشأ مقر رمضان أربع قيادات ميدانية في محافظات إيرانية مجاورة للعراق: نصر في أذربيجان، ورعد في كردستان، وظفر في كرمنشاه، وفجر في خوزستان، لتدريب عناصر المجموعات المسلحة العراقية الموالية لطهران للهجوم على القوات الأمريكية والعراقية المتحالفة معه.
وقبل وصوله إلى العراق سفيراً، وتحديداً في الأعوام بين 2012-2015، أشرف مسجدي على نقل عناصر الميليشيات العراقية الموالية لنظامه إلى سوريا والقتال دفاعاً عن نظام الأسد.
وكان مسجدي قد عمل في تشكيل "الحشد الشعبي"، عام 2014، قائماً لا على تنظيم التسليح مدفوع الثمن من قبل الحكومة العراقية؛ بل على جعل عقيدة تلك القوات موالية لنظام ولاية الفقيه؛ قلباً وقالباً.

اقرأ أيضاً: التمدّد التركي في العراق.. هل يقف عند حدود الاقتصاد؟
ولأنّه سفير من النوع العسكري! فالرجل لم يراعِ أبسط الشروط الدبلوماسية التي تراعي "السيادة" العراقية حين هدّد بضرب القوات الأمريكية في العراق، أو أيّ مكان آخر، إذا تعرضت إيران لأي هجوم من قبل الولايات المتحدة أو إسرائيل.

مسجدي مع رئيس البرلمان محمد الحلبوسي
وخلال مقابلة مع إحدى القنوات التلفزيونية العراقية، أشار السفير الإيراني إلى أنّ "خروج القوات الأمريكية من المنطقة مطلب إيراني؛ لأنّ هذه القوات لا تقوم بأيّ شيء بنّاء أو إيجابي"؛ بل شدّد على أنّ بلاده "طالبت رئيس الوزراء، عادل عبد المهدي، بإخراج الأمريكيين من العراق".
وكالعادة، جاء ردّ العراق ناعماً ومهذباً، فأكّد الناطق باسم وزارة الدفاع، اللواء تحسين الخفاجي، رفضه أن تصبح بلاده ساحة للصراع بين أيّ متصارعين، وقال الخفاجي في تصريحات متلفزة: "العراق يرفض التهديدات التي تطلقها إيران أو الولايات المتحدة، مؤكداً أنّ "الأراضي العراقية خطّ أحمر، ولن نسمح باستخدامها ضدّ أحد".

اقرأ أيضاً: ما مدى جدّية المعارضة في تعاطيها مع الاحتجاج الشعبي في العراق؟
الخفاجي، وعلى جاري تصريحات قيادات بلاده، أكّد أنّ "العراق لن يكون منطلقاً للاعتداء على إيران".
من جهتها، ردّت الولايات المتحدة على تهديد مسجدي، في تصريح ورد على لسان غابريال صوما، عضو المجلس الاستشاري للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وصفها بأنّها "تندرج ضمن إطار التهديدات التي يطلقها المرشد الايراني علي خامنئي، ورئيس الجمهورية حسن روحاني".
وقال صوما: إنّ "تصريحات مسجدي جزء من التهديدات التي تطلقها إيران من خلال خامنئي أو روحاني، لكن، بصراحة، الولايات المتحدة الأمريكية لا توجد لديها نية بالقيام بأيّ عمل عسكري ضدّ إيران، في الوقت الحاضر".
مسجدي مع رئيس اقليم كردستان نجيرفان بارزاني

خرج من القاعة حين جاء ذكر شهداء العراق
قبل ذلك، وفي احتفال "تحالف البناء" الخاص بتأبين "شهداء العراق"، طلب عريف الحفل من الحضور الوقوف احتراماً "دقيقة صمت" إجلالاً للشهداء، وكان السفير الإيراني، إيرج مسجدي، حاضراً، ويقف في الصف الأول، برفقة كبار قيادات البلاد ومسؤوليها، لكنّه ترك القاعة، في تصرّف وصف بأنّه "يفتقر إلى أبسط مبادئ اللياقة والأخلاق، ويعدّ احتقاراً واضحاً للعراقيين وشهدائهم الأبرار".
وفي باب التوضيح وتبرير الموقف، أكّدت السفارة الإيرانية في بغداد؛ أنّ مسجدي "لم ينتبه إلى الوقوف دقيقة صمت على أرواح شهداء العراق، فانسحب".

اقرأ أيضاً: هل تأثرتْ إيران بانتفاضة العراق؟
وذكر المستشار الإعلامي للسفارة الإيرانية في بغداد، ذو الفقار أمير شاهي، في بيان صحفي؛ أنّ "السفير الإيراني في بغداد إيرج مسجدي، حضر الحفل منذ البداية، وأتمّ جميع فعالياته التي كرّمت الشهداء العراقيين، ثم قرأ سورة الفاتحة على أرواحهم، وغادر في لحظة قيام الحضور، دون الانتباه إلى أنّ ذلك كان وقوفاً في دقيقة الصمت، وليس ختاماً للحفل".
واستغرب شاهي ما قال إنّه "تأويل خاطئ للمشهد"، بينما نشر فريق التواصل التابع لوزارة الخارجية الأمريكية، مقطع الفيديو الذي يظهر انسحاب السفير مسجدي، من جلسة الاحتفال، وقال الفريق في تغريدة على صفحته الرسمية في "تويتر": "شاهد.. لحظة انسحاب السفير الإيراني في بغداد عندما طلب من الحاضرين الوقوف احتراماً لمن قدموا أنفسهم دفاعاً عن العراق، لا يمكن وصف مثل هذا التصرف بأقل من عدم الاحترام للشعب والدولة المضيفة، إن لم يكن خروجاً فاضحاً عن أعراف الدبلوماسية، لكن متى اعترف النظام في إيران بأيّ عرف دبلوماسي؟".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية