أيّ رسائل يوجهها الغنوشي للرأي العام الدولي بالإساءة إلى بلده؟

أيّ رسائل يوجهها الغنوشي للرأي العام الدولي بالإساءة إلى بلده؟


24/02/2021

مستعد للتحالف مع عدو الأمس، وقادرٌ على مغازلة الخصوم إذا تطلّب الأمر، وجاهزٌ للتوافق والمساومة في حال استحالة الوصول إلى الهدف، هكذا استطاع زعيم حركة النّهضة الإخوانية راشد الغنوشي (رئيس البرلمان التونسي) إبقاء حركته في صدارة المشهد السياسي، منذ العام 2011 إلى اليوم، لكن الحصار الذي فُرض عليه مؤخراً وخلافه الكبير مع الرئيس التونسي، دفعه إلى قيادة حربٍ إعلاميةٍ بمثابة الخطوة الأخرى إلى الأمام للحفاظ على بقائه في الحكم.

حرب الغنوشي استهلها بنشر مقال رأي في صحيفة USA today الأمريكية، تحت عنوان "بعد عقود من الدكتاتورية، تونس لا يمكنها أن تحقق ديمقراطيتها وحدها"، وهو ما رأى فيه سياسيون تونسيون إساءةً لصورة تونس ورمزها (رئيس الجمهورية) في الخارج، خصوصاً أنّه أمضى المقال بصفته رئيساً للبرلمان التونسي.

سياسيون تونسيون رأوا في مقال الغنوشي بصحيفة USA today الأمريكية إساءةً لصورة تونس في الخارج

الغنوشي يستجدي القوى الدولية

طالب الغنوشي في المقال الديمقراطيات العريقة بدعم تونس، معتبراً أنّ الديمقراطية التونسية لا زالت ضعيفة، وقال إنّ "تونس تحتاج دعم شركائها الدوليين" الذين يؤمنون بالديمقراطية، واصفاً التحركات الاجتماعية الأخيرة التي شهدتها تونس في نهاية كانون الأول (ديسمبر) 2020 وكانون الثاني (يناير) 2021 بأنّها أعمال شغب.

رئيس البرلمان اعتبر أيضاً أنّ المشهد السياسي في تونس مرّ خلال السنوات الأخيرة بثلاث محطات تمثلت في صعود الشعبوية، حسب رأيه، في إشارةٍ إلى الرئيس قيس سعيّد، ورغبة فئات كبيرة في عودة النظام السابق، والدعوات إلى نظام الرجل القوي على رأس السلطة في مواجهة المؤسسات الدستورية قوامه "الثورة المضادة التي تعطل أي تقدّم ومن أجل الحفاظ على مكاسبها"، في إشارة إلى الحزب الدستوري الحر الذي تقوده المعارضة عبير موسي.

وتابع الغنوشي "يشعر الشعب التونسي بالإحباط من التقدم البطيء للإصلاح الاقتصادي منذ عام 2011، ولم يرَ بعد الوظائف ومستويات المعيشة الأفضل التي يتوقعها بحق، كما لم يواكب تقدمنا ​​توقعات الناس"، معتبراً أنّ الحل للنهوض بالبلاد يُختزل في "حكومة مستقرة تحظى بدعم أكبر عدد ممكن من الأحزاب السياسية والشركاء الاجتماعيين، لديها أفضل فرصة لسنّ إصلاحات مؤجلة ولكنّها ضرورية".

وشدّد الغنوشي من خلال المقال كذلك على أنّ تونس بعد عقود من الديكتاتورية والفساد، في حاجة إلى مراجعة النظام الانتخابي، والقيام بإصلاحات اقتصادية عميقة، واستقرار حكومي عبر أكثر ما يمكن من الأحزاب والشركاء من أجل القيام بالإصلاحات اللازمة.

"مهندس عودة النظام السابق"

منذ نشره، لاقى المقال صدىً كبيراً على مواقع التواصل الاجتماعي، التي انقسم روادها بين ناقدٍ وساخرٍ من محتواه، خصوصاً أنّ كاتبه ظهر على أنّه منقذ البلاد، وحامي الديمقراطية، وراعي الانتقال الذي تعيشه البلاد، فيما اعتبره جزءٌ واسع من الناشطين مجرّد حركة جديدة من الغنوشي، لتلميع صورته خارجياً، بعد أن صارت مهزوزة داخلياً، خصوصاً أنّ الإجراءات المتعلقة بعريضة سحب الثقة تقدّمت كثيراً مؤخراً، إلى جانب خلافه الذي وصل طريق اللاعودة مع رئيس البلاد، فضلاً عن خسارته لجزء مهم من تحالفاته داخل البرلمان، وحتى داخل حركته.

يرى المحلل السياسي محمد بوعود أنّ "مقال الغنوشي الأخير إثباتٌ جديد لتخبّطه في التناقضات، إذ أنّه تطرّق فيه إلى عودة رموز النظام السابق، في حين أنّه مهندس هذه العودة على مراحل، حين وقّع ضدّ قانون العزل السياسي، ودعم المصالحة الوطنية، وفتح أبواب الحركة لآلاف المنخرطين الذين كانوا ينشطون في حزب التجمّع المنحل الحاكم قبل الثورة، إضافةً إلى تحالفه مع الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي، الذي كان يقول عنه رمز الثورة المضادة، ثم مع مؤسّس حزب قلب تونس نبيل القروي، الذي كان يتهمه بالفساد، مشدّداً على أنّه فتح الأبواب بكل الطرق لعودة النظام السابق بأشكال مختلفة، وفي كل المواقع".

 المحلل السياسي محمد بوعود

وأضاف بوعود، في تصريحه لـ"حفريات"، أنّ "الغنوشي غير بعيد عن الشعبوية وذلك عند التمعن في تصريحاته المتتالية، ودعمه لعديد الحركات والتيارات الشعبوية، فضلاً عن مساندته لقيس سعيّد، في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية لعام 2019، عبر رفعه شعار "الشعب يريد"، لكنّه ينعته اليوم بالشعبوية". 

المحلل السياسي اعتبر أيضاً أنّ "الحديث عن محاولات العودة إلى النظام الرئاسي بتلك الطريقة، وفي صحيفة أجنبية واسعة الانتشار، محاولة لضرب صورة تونس بالخارج ولإظهار الفشل السياسي على أنّه نتاج المؤامرات المتعدّدة؛ إذ هي توحي برغبة في عودة نظام الاستبداد، رغم أنّ النخب السياسية تتعاطى بكل مسؤولية مع النظام الحالي".

عرض خدمات على الإدارة الأمريكية

من جانبه، وصف الكاتب والباحث التونسي في الحركات الإسلامية منذر بالضيافي المقال الذي نشره الغنوشي في صحيفة أمريكية، بـ"حملة العلاقات العامة، التي يحاول عبرها الغنوشي ومن خلاله حركة النّهضة استعادة العلاقات المميزة مع الإدارة الأمريكية، ومحاولة لمغازلة الديمقراطيين وإدارة بايدن لاستئناف العلاقات التي بدأها أوباما، الذي دعم ما يسمى بالربيع العربي، وأعطى الضوء الأخضر للإسلام السياسي ليكون المساهم الرئيسي في الثورات".

منذر بالضيافي كاتب وباحث تونسي

كما اعتبرها، في تصريحه لـ"حفريات"، "حملة للترويج لنفسه، على أنّه المؤتمن على الديمقراطية والانتقال الديمقراطي في مواجهة ما اعتبرها، قوى رجعية وفاشية باتت تهدّده، في إشارةٍ منه إلى عبير موسي وقيس سعيّد"، وقال إنّه "يحاول من خلال المقال عرض خدماته على الإدارة الأمريكية، على أساس أنّه التلميذ النجيب الذي يُعوّل عليه لتحقيق الاستقرار في المنطقة، والحفاظ على المصالح الأمريكية فيها".

الباحث التونسي، أكّد أيضاً في قراءته للمقال، أنّ "زعيم حركة النّهضة يحاول أيضاً لعب دور الدبلوماسي، في ظلّ انكسار الدبلوماسية التونسية في عهد قيس سعيّد، وأن يقدّم نفسه للخارج كطرفٍ للحوار معه، لفك عزلة تونس الديبلوماسية"، لافتاً إلى أنّ ذلك فيه "إحراج كبير لرئيس الجمهورية، خصوصاً أنّها ليست المناسبة الأولى، التي يتدخل فيها الغنوشي في الدبلوماسية، وأنّه كثيراً ما حشر البلد في تحالفات مع محاور لا تفيد علاقات تونس الخارجية".

منذر بالضيافي: الغنّوشي عرض خدماته على الإدارة الأمريكية باعتباره المعوّل عليه لتحقيق الاستقرار في المنطقة

وأضاف أنّه "يقدّم نفسه أيضاً، في هذا المقال مدفوع الأجر، على أنّه زعيمٌ وطني يمكن التخاطب معه، وهي سياسة شبيهة جداً بسياسات نظام بن علي، الذي كان يشتري مقالات في صحف دولية، لتلميع صورته". 

رجل التناقضات

بدا واضحاً أيضاً في محتوى المقال، أنّ الغنّوشي الذي لم يخرج من الحكم منذ العام 2011، ولم تغادر حركته مواقع القرار، يتنصّل من الأزمات التي عاشتها تونس طوال فترة حكمهم، وأبعد كل التهم عن "النّهضة"، برغم الاتهامات الموجهة إليه بعرقلة عمل الحكومات المتعاقبة عبر محاولة حركته فرض أجنداتها، وهو ما اعتبره أمين عام حركة تونس إلى الأمام (يسارية) عبيد البريكي، تخبّطاً للغنوشي في التناقضات.

 ولفت البريكي في تصريحه لـ"حفريات"، إلى أنّ "الغنوشي يعيش خلال الأشهر الأخيرة حالة حصار غير مسبوقة، وفي وضعٍ يحس باختناق حتى داخل حركته، بعد بروز مشاكل كبيرة بينه وبين باقي القيادات حول زعامة الحركة"، لافتاً إلى أنّ "الطريقة التي طالما اعتمدها الغنوشي في حل كافة مشاكله هي الهروب خطوةً إلى الأمام حتى وإن تناقضت مع تصريحاته السابقة".

وشدّد البريكي على أنّ "كافة تحرّكات الغنوشي منذ 2011 إلى اليوم متناقضة في ما بينها، هاجسها الوحيد البقاء في الحكم، وفي خطوةٍ لاحقة التمكن منه، لأنّه الضامن الوحيد للتغطية على ملفات النهضة الخطيرة".

عبيد البريكي أمين عام حركة تونس إلى الأمام

 ومن بين التناقضات التي ذكرها البريكي، "دعوته من خلال المقال إلى ضرورة الجلوس إلى طاولة الحوار من جهة، في المقابل الدعوة إلى التعبئة للنزول إلى الشارع، والتحرّك ضد رئيس الجمهورية، معتبراً أنّ ذلك لن يحل أزمات تونس، بقدر ما سيمدّد أنفاس النهضة في الحكم".

البريكي قال أيضاً حول تناقضات الغنّوشي، إنّه "يتباهى بالديمقراطية والانتقال الديمقراطي من جهة، ويدعو في الصحافة الأجنبية المؤسسات الدولية لمساندة هذا الانتقال، مشدّداً على أنّ تونس لم تشهد في الحقيقة انتقالاً ديمقراطياً، بل اغتيالات سياسية، واستقواء بالمال الفاسد، للبقاء في الحكم".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية