ألعاب التلميذ القاتل والإرهابي الدموي!

ألعاب التلميذ القاتل والإرهابي الدموي!


03/08/2021

"سأتناول قطعة من حلوى الدونات كلّما قتلت لاعباً من الفريق المقابل"، بهذه الكلمات يستمرّ أشهر لاعبي لعبة إلكترونية عنيفة، تسمّى "فورت نايت" بتشجيع المشاهدين لمنازلته في هذه اللعبة الدموية. وقد استوقفتني هذه العبارة المخيفة؛ عندما كان ابني يشاهد فيديو لهذه اللعبة على موقع يوتيوب، وأحسست حينها أنّ هؤلاء المروّجين لهذه الألعاب، الملئية بمشاهد القتل والدّم والقسوة، يريدون أن يجعلوا من مذاق وطعم قتل الخصوم في اللعبة حلواً ومستساغاً؛ بل ويكافئ نفسه والمشاهدين بعد كلّ عملية قتل افتراضي يقوم بها، وهنا يتمثل ذلك المذاق اللذيذ عقول المتابعين الأطفال الغضّة الطرية، عندها كان عليّ أن أطلب من ابني، أن يتوقف عن مشاهدة هذا الفيديو، وشرحت له خطورة ما يفعله ذلك المروّج للعنف والقتل، وأن احترام الإنسان وحياته شيء مقدَّس، ولا يجب التعدي على حقّ الإنسان بالحياة والعيش الآمن.

كثير من الألعاب العنيفة تتلاعب بوعي الأطفال الأغرار وتصنع منهم آلات قتل وجنوداً قساة في تنظيمات مشبوهة وغامضة

وبعد ذلك الموقف، استعاد ذهني سير حياة كثير من التلاميذ الذين ارتكبوا مجازر بحقّ زملائهم الطلبة في المدارس الأمريكية، وكذلك أطفال قتلوا أنفسهم، بعد اتباع أوامر اللاعب المقابل في لعبة "الحوت الازرق" أو لعبة "مريم"، وكذلك طفولة كثير من المتطرفين الذين شاركوا بمذابح في ديار المسلمين، بعد أن ترعرعوا على ألعاب الحروب، والإبادة للخصوم، وهذه الفئات جميعها نشأت على ألعاب إلكترونية، كلّها عنف وقتل، من أمثال الألعاب الآتية:

Roblox, Grand Theft Auto, Minecraft: Monster School, Zombie" Killer, Call of Duty, Fortnite, Short Life"

تصنع هذه الألعاب شخصية القاتل أو الإرهابي في ذهن الطفل، وتجعل عملية القتل ورؤية الدم، وسماع صراخ الضحية، حلماً جميلاً في وعيه الباطن، وعندما يكبر هذا الطفل، ويشتدّ ساعده تكون تلك المشاهد ما تزال حيّة في ذهنه، ولا يحتاج هذا الشاب اليافع إلا أن يقدم له أحدهم سلاحاً، كي يبدأ بإطلاق الرصاص على الآمنين، والأبرياء من الناس، أو تفجير بيوتهم ومدارسهم.

اقرأ أيضاً: الألعاب الإلكترونية مصيدة أطفالنا المهمَلين

وقد يقول قائل: لماذا تجمع بين التلميذ القاتل في المدارس الأمريكية والإرهابي الشاب الذي يستخدم الدين، والدين من أفعاله براء، كغطاء لنزعة القتل، رغم اختلاف الثقافة والدين والطباع بينهما؟ وقبل الإجابة، يجب أن نشير للقاسم المشترك بين شخصيتهما؛ وهو أنّ عمليات القتل الافتراضية على شاشات الحواسيب وألعاب الفيديو تأصلت في عقليهما، وانعكست على سلوكهما، بالقدر نفسه تقريباً.

والجواب يكمن أيضاً في تقارير نشرت عام 2014 لمحاولة من تنظيم داعش لإجراء تغييرات على نسخة من لعبة عنيفة يلعبها المراهقون في أمريكا والعالم؛ هي لعبة "غراند ثيفت أوتو"؛ أي "سرقة السيارات الكبرى"، المليئة بالمواجهات المسلحة الدموية بين بطل اللعبة وعصابات معادية ورجال شرطة أمريكيين، وقد انتشرت أخبار في العام نفسه عن أنّ تنظيم داعش يحاول إنتاج نسخة مشابهة لهذه اللعبة، لتجنيد أتباع جدد، وأنّها أطلقت عليها "صليل الصوارم"، وهو اسم قد يكون مستمداً من اسم الأنشودة المعروفة، التي يتغنّى بها متطرفو التنظيم في معاركهم.

اقرأ أيضاً: الإرهاب الإلكتروني.. الرعب على الأبواب

وتكمن خطورة الألعاب العنيفة التي تركز على العمليات العسكرية الحربية، ومطاردة رجال العصابات والاشتباك معهم، بأنها تقدم لعقل الطفل ساعات وساعات من التدريب العملي على محاكاة تلك المواجهات الشرسة، ومعرفة جميع أنواع الأسلحة المستخدمة، مع الاطلاع على كيفية تشغيلها أيضاً؛ بل وتجعل السلاح واستخدامه خياراً مطروحاً في ذهن المراهق، عند فضّ أيّ نزاع أو خلاف مع زملائه أو مدرّسيه، وذلك في حالة التلميذ القاتل.

ويكون السلاح أداة لقتل المخالفين؛ سياسياً وفكرياً، وتفجير وتدمير ممتلكات الدولة والشعب في حالة الإرهابي الشاب.

وهذه العلاقة السببية بين الألعاب الإلكترونية والعنف المجتمعي، دفعت الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في بداية العام 2018، إلى التحذير من خطورة هذا النوع من الألعاب، بعد مجزرة قام بها طالب بحقّ زملائه في ولاية فلوريدا الأمريكية. وتواردت الأنباء عن أنّ ذلك الطالب كان يقضي 16 ساعة يومياً، على الأقل من وقته، في مواجهات إلكترونية دموية على ألعاب حاسوبه الشخصي.

 

 

وبخصوص العلاقة بين الإدمان على ألعاب القتل الإلكترونية والإرهاب؛ فإنّ كثيراً من الشباب المتشدّد دينياً، في الغرب والعالم الإسلامي، يلجؤون إلى الاستمتاع بالمسموح لهم فقط من أفلام وألعاب الحرب والعنف، وذلك لأنّ زعماءهم الدينيين يحرّمون عليهم مشاهدة الأفلام الاجتماعية والإنسانية؛ لأنها –بزعمهم- تروّج لقيم الأمم "المنحلّة" أخلاقياً، ولاحتوائها على موسيقى، أو على مشاهد تظهر نساء، ولابتعاد تلك الألعاب عن مناقشة العلاقات، والقيم الإنسانية التي لا تتوافق مع منهجهم السلفي المتزمت. 

اقرأ أيضاً: تجنيد الأطفال: إلى اليونسيف مع التحية

ويكون وكلاء التجنيد للتنظيمات الإرهابية بالمرصاد للمراهقين اللاعبين هنا، ويدخلون بحسابات وأسماء وهمية، ويتم التغرير بمن تنطلي عليه حيلهم، وتنتهي العملية بالتحاق هؤلاء الشباب بصفوف التنظيمات الإرهابية، من أمثال؛ داعش والقاعدة، ويتم التجنيد عن طريق غرف الحوار الصوتي والكتابي الملحقة بمثل هذه الألعاب، وتصل عادةً المحادثات بين المسؤولين عن تجنيد هؤلاء الشباب، والفئة المستهدفة إلى السؤال الصادم لوعي هؤلاء المراهقين البسطاء وهو: هل تريد أن تقوم بالقتل في الحياة الواقعية؟ وهل تريد أن تنتقم من فلان المخالف لعقيدتك وفكرك؟ وتستمر الأسئلة، ويطول الحوار، إلى أن يتم الاستحواذ على عقل الشاب اليافع الذي تمّ تشويه وعيه، ومن ثم السيطرة على إدراكه للحياة والعالم.

يترصد وكلاء التجنيد المراهقين اللاعبين ويدخلون بحسابات وهمية للتغرير بمن تنطلي عليه حيلهم لتجنيدهم بصفوف تنظيماتهم

وقد يخالف بعض الكُتَّاب طرحي هذا، مستشهدين بالحالة اليابانية؛ حيث يتم تصنيع واستهلاك كثير من هذه الألعاب العنيفة، ولكن تكون نسبة العنف المدرسي، والنزوع للإرهاب بين فئة قليلة بين الشباب الياباني هناك، لكنّ التحليل المنطقي يقودنا إلى أنّ وجود ألعاب العنف وحده، لا يصنع الطالب القاتل، أو الإرهابي الدموي، لكن يشترط وجود هذه الألعاب وممارستها مع وجود السلاح بالأسواق، وعدم معالجة مشكلات الشباب النفسية بسرعة ونجاعة، ونضيف لذلك الاضطرابات السياسية، والاجتماعية، والدينية وتأثيراتها في حالة الإرهابي الشاب.

اقرأ أيضاً: هذه الأسرار الخفية لأساليب الإرهابيين في تجنيد الأنصار

أشير هنا إلى وجوب أن تكون هناك مسؤولية كبيرة، تقع على الدول والحكومات والهيئات المجتمعية، والأسر في مراقبة ما يشاهده، وما يمارسه أبناء المجتمع من أفلام وألعاب وبرامج ترفيهية؛ لأنّ كثيراً من هذه الألعاب، خاصّة العنيفة منها، تتلاعب بوعي وإدراك وذهنية هؤلاء الأطفال الأغرار، وقد تصنع منهم آلات قتل وتدمير في مدارسهم ومجتمعاتهم، وجنوداً قساة في تنظيمات مشبوهة وغامضة، تقود عقول هؤلاء الشباب وسلوكاتهم، لارتكاب مجازر تحصد أرواح أناس كثيرين في الأسواق، والمجمعات التجارية، والميادين العامة. وذلك كلّه بعد أن تدربوا، وهم يلهون ويتسلون أمام شاشات حواسيبهم وأجهزتهم اللوحية الإلكترونية، ولساعات طويلة، لكنّهم سقطوا فرائس سهلة في يد مجرمين لا رحمة في قلوبهم.

الصفحة الرئيسية