أزمة المحكمة الدستورية في تونس.. هكذا تخطط النهضة لعزل قيس سعيد

أزمة المحكمة الدستورية في تونس.. هكذا تخطط النهضة لعزل قيس سعيد


12/05/2021

ما بدا خلال جلسة مجلس نواب الشعب التونسي، لمناقشة القراءة الثانية لقانون المحكمة الدستورية، بعد رده من الرئيس قيس سعيّد، يعكس بوضوح حالة الاحتقان، وخطر الانسداد السياسي، الذي تشهده تونس خلال الآونة الأخيرة، فيما بين مؤسسة الرئاسة من جهة، وحركة النهضة من جهة أخرى، وذلك عبر شرح النص الدستوري المتعلق بالمحكمة الدستورية، الأمر الذي دفع الرئيس نحو رد مشروع القانون إلى البرلمان؛ اعتراضاً على عدم قانونية تنقيحات البرلمان، وكونها وقعت بعد الآجال الدستورية، بينما يذهب راشد الغنوشي، رئيس مجلس النواب، إلى أنّ الرئيس يعطل المسار الدستوري، باعتراضه على المصادقة على التعديلات المقترحة.

محاولات الهيمنة وممانعة الرئيس

إنّ واقع الصراع بين البرلمان ومؤسسة الرئاسة، حول قانون المحكمة الدستورية في تونس، هو أمر بالغ الخطورة؛ إذ تتحرك النهضة التي تحوز أغلبية برلمانية، نحو الهيمنة على المحكمة الدستورية، عبر بعض التعديلات التي حظت بمصادقة البرلمان، من خلال قدرة الأخيرة على انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية، بأغلبية ثلاثة أخماس، أي ما يعادل مائة وواحد وثلاثين  صوتاً، ما يمكن مجلس النواب حينها من صلاحيات أكبر وأوسع، ما دفع الرئيس قيس سعّيد نحو رفض أيّ تشكيل للمحكمة الدستورية، ينتخبه مجلس النواب .

صدّق البرلمان التونسي على مشروع قانون المحكمة الدستورية، بمائة وواحد وأربعين نائباً، مقابل 10 متحفظين، و15 معترضاً، وتباينت كلمات النواب بحسب توجهاتهم السياسية؛ حيث ركز نواب النهضة وحزامها البرلماني نحو توجيه الانتقادات للرئيس قيس سعيّد؛ إذ قال النائب عن ائتلاف الكرامة، محمد العفاس: "هل نتعامل مع رئيس جمهورية ضامن لوحدة التراب التونسي، أم مع قائد انقلاب؟"، بينما ردّ عليه هيكل المكي، النائب عن حركة الشعب، بوصم كتلة ائتلاف الكرامة بممارسة الإرهاب، وإرسال التونسيين لبؤر التوتر.

 

محمد عطيل الظريف: من المؤسف أن يكون تركيز المحكمة الدّستورية، في مثل هذا السياق، وفي ظل هذا التجاذب بعملية ليّ ذراع متبادلة، قد تكون مقدّمة لكسر عظام في الاتّجاهين

 

بينما اعتبرت سامية عبو، النائب عن الكتلة الديمقراطية، أنّ البرلمان لا يريد المصادقة على قانون المحكمة الدستورية، بل يريد المصادقة على أزمة جديدة، وأنّ مجلس النواب هو من يتحمل مسؤولية هذا التأخير .

فيما طالب النائب المستقل، منجي الرحوي، بحل البرلمان، وإجراء انتخابات برلمانية جديدة، باعتباره أضحى عبئاً على البلاد، وطالب التونسيين بالتحرك والضغط؛ بغية حلّه، وإعادة الانتخابات البرلمانية.

محمد عطيل الظريف

في إطار ذلك يرى أستاذ القانون الدستوري بالجامعة التونسية، محمد عطيل الظريف، أنّ أزمة قانون المحكمة الدستورية، أمر واقع بين دوائر الحكم في تونس، ويبدو ذلك واضحاً، حين اختتم رئيس الجمهورية التّونسيّة، قيس سعيّد، رسالته المُوّجهة إلى مجلس نوّاب الشّعب، والمعنونة "ردّ مشروع قانون أساسيّ يتعلّق بتنقيح وإتمام القانون الأساسيّ عدد 50 لسنة 2015 المؤرخ في  3 ديسمبر 2015  المتعلق بالمحكمة الدستورية"، المُؤرخة في الثالث من شهر نيسان (أبريل) الماضي 2021 بما يلي: "نردّ إليكم هذا القانون، ولن يتمّ القبول بالختم، إلا بعد تحقّقنا من تغليب أحكام الدستور، ومن كان مقصده غير هذا، فليعلم أنّ حججنا واضحة جليّة، وأنّ مواقفنا ثابتة قويّة، وإرادتنا في ضمان علويّة الدستور، وحقوق شعبنا صادقة خالصة سويّة".

اقرأ أيضاً: الرئيس التونسي مستعد للحوار الوطني... وهذه شروطه

ومن خلال ذلك، يتضح أنّ مسار الرئيس من الناحية الدستورية والمنطقية والنظرية، بعد هذه المصادقة أمام خيارين أحلاهما مرّ: إمّا أن يختم القانون، أو يرفض ختمه، مثلما لوّح بذلك في رسالته.

هل فات وقت الطعن؟

ويرى الظريف، في تصريحاته التي خصّ بها "حفريات"، أنّ الفرضيّة الأولى تتمثلّ في احترام الرئيس لمقتضيات الدّستور، بأن يقوم بالختم امتثالاً لأحكام النّقطة 4 من الفقرة الأولى من الفصل 81 والتّي تنصّ على أن "يختم رئيس الجمهورية القوانين، ويأذن بنشرها بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية، في أجل لا يتجاوز أربعة أيام، من تاريخ مصادقة المجلس ثانية، دون تعديل على مشروع قانون تبعاً لردّه، ولم يطعن فيه بعدم الدستورية إثر المصادقة الأولى،  وهو ما حصل فعلاً، ويكون بالتّالي، آخر أجل لختم مشروع القانون، يوم الثامن من شهر أيار (مايو) الجاري  2021، بعد انقضاء 4 أيام على أجل المصادقة. 

 

زهير المغزاوي: حركة النهضة تسعى لوضع يدها على وزارة الداخلية، والقضاء ووزارة تكنولوجيا الاتصال؛ لمحو ملفات الجهاز السري، والغرفة السوداء، والاغتيالات السياسية

 

ولا يمكن لرئيس الجمهوريّة في هذه الوضعيّة ممارسة الطّعن بعدم الدّستوريّة؛ لعدم حُصول ذلك بعد المصادقة الأولى، وانقضاء الآجال بخصوصها، ولعدم المصادقة على القانون في صيغة معدّلة، وقد يكون لهذا الختم آثار سياسيّة خطيرة على رئيس الجمهوريّة، في حال استكمال تعيين أعضاء المحكمة الدّستوريّة (12 منهم 4 ينتخبهم البرلمان و4 ينتخبهم المجلس الأعلى للقضاء، و4 يُعيّنهم رئيس الدّولة) في صورة قيام الرئيس بذلك، ولإصدار أمر رئاسيّ في الغرض، يمكن لمجلس نوّاب الشّعب، طبقاً للفصل 88 من الدّستور، إطلاق إجراءات إعفاء الرئيس من منصبه، للخرق الجسيم للدستور.

يتابع محمد عطيل الظريف قوله، أمّا الفرضيّة الثانية تتمثلّ في رفض الرئيس الختم والإذن بالنّشر، وهو ما يمثّل خرقاً للدّستور، خصوصاً وأنّ الرئيس هو الذي اختار مسار الردّ، ويتحمّل عندئذ منطقياً آثاره الدّستوريّة، من وجوبيّة الختم بعد مصادقة المجلس على مشروع القانون ثانية. وفي حالة رفض الختم، ستكون المرّة الثّانية، بعد الراحل الرئيس الباجي القائد، التّي يتمّ فيها مثل هذا الرّفض، وحينها سنقع في مأزق جديد، وأزمة متجدّدة، في ظلّ تواصل غياب المحكمة الدستورية.

اقرأ أيضاً: بعد تلقيها تهديدات... برلمانية تونسية تتخذ احتياطاتها الأمنية.. صور

ويختتم أستاذ القانون الدستوري تصريحاته بقوله: "من المؤسف أن يكون تركيز المحكمة الدّستورية، في مثل هذا السياق، وفي ظل هذا التجاذب بعملية ليّ ذراع متبادلة، قد تكون مقدّمة لكسر عظام في الاتّجاهين. فالمحكمة الدستوريّة كهيئة مستقلة، ستُرسى في ظروف مُذلّة، وغايات تركيزها الخفيّة جعلتها رهينة سياسية بين أطراف متناحرة. القادم قد يكون أعقد. المواقف وموازين القوى والمآزق الدستورية ستّحدّد فعل وردّ فعل كل طرف. في الأثناء تتواصل الأزمة، فلا اللّحظة حانت، ولا الحلول بانت، ولا العقول المتحجّرة لانت؛ فقط تونس هامت".

مؤامرة لعزل الرئيس

ومن جانبه يشير الأمين العام لحركة الشعب، زهير المغزاوي، الذي استقبله السيد رئيس الجمهورية قيس سعيّد، مؤخراً، أنّنا ننظر إلى سيادة الرئيس، باعتباره رجلاً وطنياً صادقاً وحريصاً على الاستقرار السياسي، وعلوية الدستور، ووحدة مؤسسات الدولة، والحفاظ على السلم الاجتماعي، وإنقاذ البلاد عبر حوار حقيقي؛ يؤسس لمشروع وطني للإنقاذ، بمضامين اقتصادية واجتماعية، وإجراءات عاجلة لوقف نزيف المالية العمومية، والانكماش الاقتصادي، والتدهور غير المسبوق للمقدرة الشرائية للمواطن، بعيداً عن العبث السياسي، والفكر الذي يرتكز نحو تقاسم السلطة والمواقع.

زهير المغزاوي

يتابع المغزاوي تصريحاته لــ "حفريات"، بقوله إنّ الحكومات المتعاقبة بعد الثورة تتحمل المسؤولية الكاملة عن الخراب والإفلاس الذي أنتجته؛ بسعيها المتواصل للتحكم في المشهد السياسي والحكومي، بعيداً عن طموحات الشعب التونسي، وما ينفع الناس.

حكومة المشيشي فشلت في قيادة البلاد ومعالجة الوضع، وهي غير قادرة على الإنجاز، سيما فيما يتعلق بسوء إدارتها للأزمة الوبائية، في غياب أيّة إجراءات حمائية واجتماعية، وكذا فضيحة التلاقيح خلسة؛ بالسطو على الأولويات .

باسل الترجمان: يهدفون إلى عزل سعيد وذلك من خلال  سيناريو، يرتكز على أنّ الرئيس لن يصدّق على مشروع القانون، وبالتالي يقع ظنهم في تقدير ما يسمى الخرق الجسيم للدستور

ويرى المغزاوي أنّ النظام السياسي هو المنتج للأزمات، والمعارك الوهمية التي تسوق لها حركة النهضة وتوابعها، حول المحكمة الدستورية، وسعي راشد الغنوشي، للسطو على صلاحيات رئيس الجمهورية، وتلغيم العلاقة بين رأسي السلطة التنفيذية، وتحويل مجلس النواب لقاعة عمليات متقدمة؛ لخدمة أجندات مشبوهة، مؤكداً أنّ الأزمة عميقة ومركبة، ولا يمكن معالجتها إلا بحوار جدي ومسؤول، يطرح كل الملفات الحارقة على الطاولة.

ويختتم زهير المغزاوي، تصريحاته بقوله إنّ حركة النهضة تسعى لوضع يدها على وزارة الداخلية، والقضاء ووزارة تكنولوجيا الاتصال؛ لمحو ملفات الجهاز السري، والغرفة السوداء، والاغتيالات السياسية، والتجسس والتلاعب والسمسرة بملفات الفساد؛ لابتزاز رجال الأعمال، ما يؤكد تورطها في عديد الملفات، وممارسة سياسة الخداع واللصوصية والتضليل، فحركة النهضة تسعى لتعميم الفشل، وتعويم الأزمة، والتهرب من المسؤولية، وكل من يخالفها الرأي، تشن عليه حملة تشويه ممنهج، بتوظيف كل الوسائل القذرة، ولهذا كله، فنحن في "حركة الشعب"، واعون بدقة المرحلة، وخطورة الوضع، ومعاناة المواطن اليومية، وسنسعى لتجديد الدعوة مع القوى والمنظمات الوطنية، ومؤسسة الرئاسة، لحوار وطني للإنقاذ، بمضامين اقتصادية واجتماعية، وإجراءات عاجلة ومحددة؛ للخروج من منطقة الزوابع، انحيازاً منا لجماهير شعبنا، وترجمة لمواقفنا الوطنية الثابتة والمبدئية.

اقرأ أيضاً: الرئيس التونسي يحذر من مخاطر "تقسيم الدولة"... ما علاقة النهضة؟

من جهته، يرى الكاتب الصحفي التونسي، باسل الترجمان، أنّ تصديق مجلس النواب على القراءة الثانية لقانون المحكمة الدستورية، يمثل خرقاً جسيماً لدستور العام 2014، الذي كان واضحاً في نصه بضرورة تشكيل المحكمة، في أجل لا يتجاوز سنة، وبالتالي فإن القانون مخالف بشكل واضح للدستور، ولا يمكن اعتماده .

باسل الترجمان

ويتساءل الترجمان في حديثه لــ "حفريات"، عن الهدف من وراء ذلك كله؟ قبل أن يؤكد أنّ حركة النهضة وحلفاءها، يسعون نحو خلق وتعميق أزمة سياسية في تونس، حيث كانوا غير معنيين بأمر إرساء المحكمة الدستورية، التي ظلت غائبة سبع سنوات تقريباً، بيد أنهّم الآن يهدفون إلى عزل الرئيس قيس سعيّد، وذلك من خلال  سيناريو، يرتكز على أنّ الرئيس لن يصدّق على مشروع القانون، وبالتالي يقع ظنهم في تقدير ما يسمى الخرق الجسيم للدستور، الأمر الذي  يتيح للمجلس ممارسة مهامه ضد الرئيس.

اقرأ أيضاً: 3 سيناريوهات ممكنة لتجاوز الأزمة في تونس

ويختتم الترجمان حديثه قائلاً: "على أيّة حال، ورغم أنّ ذلك كله بالطبع يدور في ذهن أستاذ القانون الدستوري، الرئيس سعيّد، ويدرك كيف يواجهه من الناحية القانونية والدستورية، بيد أنّني لا أنكر كون البلاد تواجه، وستواجه، أزمة سياسية في قادم الأيام، على خلفية الاشتباك الدستوري السياسي القانوني، فيما  بين رئاسة الجمهورية ومجلس النواب، الأمر الذي سيكون له نتائج متفاقمة، سيما في ظل أزمة فيروس كورونا، وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية على كافة المواطنين.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية