أردوغان ينقلب على قيم الجمهورية والمعاهدات الدولية

أردوغان ينقلب على قيم الجمهورية والمعاهدات الدولية


13/04/2021

إلى أيّ حدّ يمكن أن يمضي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فيما يصفه معارضوه ومنتقدوه بأنّه انقلاب على قيم الجمهورية ومؤسسها الراحل مصطفى كمال أتاتورك؟ هل ينجح بفرض هوية إسلامية بدلأً من الهوية العلمانية التي فرضها أتاتورك؟ هل يقبل العلمانيون وقادة الجيش الذي يعتبر المدافع عن العلمانية بهذا التغيير الذي يعمل أردوغان على فرضه باسم الدستور الجديد؟

أشار الكاتب التركي فكرت بيلا في مقال له في موقع تي 24 إلى الحدود التي تفرضها السلطة، وكيف يتمادى الرئيس أردوغان في توسيع رقعة التغييرات التي يحاول إدخالها على اتفاقيات ومعاهدات دولية تفرض التزامات على تركيا.  

ولفت الكاتب أنّ معاهدة لوزان، واتفاقية مونترو ليسا من الأوراق المحروقة والمنتهية الصلاحية التي يتم إلقاؤها في القمامة، وأنّ حكومة حزب العدالة والتنمية تعمل منذ 20 عامًا، في محاولة للمضي قدمًا ليس نحو الأهداف التي أظهرها أتاتورك، ولكن نحو العكس.

وشدّد فكرت بيلا أنّه بعد الاستقرار التام في السلطة في 2002-2007 تمّ تسريع وتيرة جهود تركيا لتغيير الخصائص الأساسية للقوة القادمة، والزعم أنّ العالم ليس أتاتورك، حيث بدأت جماعة الإخوان المسلمين بتحديد وتنفيذ سياستها الداخلية والخارجية وفق أطروحتها وأهدافها، وأنّ هذا الخط يستمر اليوم.

وأكّد الكاتب أنّ الحكومة التي أضافت الحماس العثماني الجديد إلى هذه الأطروحات الإخوانية الإسلامية، تميل إلى تغيير البنية العلمانية للدولة، ووضع القيم الدينية في قلب الدولة والحياة الاجتماعية، وبدأت أخيرًا في رؤية معاهدة لوزان على أنها هزيمة واتفاقية مونترو على أنّها عديمة الفائدة.

وقال إنّ لوزان اعتبرت من قبل مؤسس الجمهورية أتاتورك وإينونو انتصارًا دبلوماسيًا عظيمًا تمّ الاعتراف بموجبه بجمهورية تركيا من قبل العالم أجمع. وكانت مونترو وثيقة تركيا التكميلية لتعزيز الاستقلال والسيادة على مضيق البوسفور. كما قال إنّ هاتين الوثيقتين هما عبارة عن صكوك في جمهورية تركيا.

وذكر أنّ حكومة حزب العدالة والتنمية تكافح من أجل الانقلاب على ما اعتبر حدود الطبيعة العلمانية لتركيا وفق الوثائق والمعاهدات الدولي، وتركت المؤسسات الدستورية لكوادر أرادت أن تحكم بمراجع دينية، لا على أساس الدستور والقوانين والعلمانية، بعد أن جعلت مبدأ فصل السلطات غير قابل للتطبيق.

وقال الكاتب بنوع من الاستغراب والاستنكار إنّ مديرية الشؤون الدينية تولت وظيفة تدعم السياسة المتبعة دينياً، واستقرت في موقف ضد أتاتورك والعلمانية، حيث بدأ رئيس الشؤون الدينية بالظهور في جميع الأنشطة المهمة بجوار السلطة السياسية. وقال إنّ محمد بوينوكال، الذي تم تعيينه إماماً بعد افتتاح آيا صوفيا كمسجد، بدأ بإصدار فتاوى مثل الرئيس الثاني للشؤون الدينية. كما تفوق على رئيس الشؤون الدينية، علي أرباش، وأدلى بتصريحات تعطي رسالة مفادها أنه يجب إلغاء العلمانية وتغيير دين الدولة إلى الإسلام، كما في دستور عام 1921. وبدأ الحديث في كل مجال من المساواة بين الجنسين إلى تفاصيل أخرى كثيرة في السياسة والحياة العامة.

لم ترد الحكومة على بوينوكال في البداية، وفضلت أن تراقب وتنتظر رد فعل الجمهور. ومع ذلك، وبسبب ردود الفعل من المعارضة والجمهور، لم تستطع إبعاد بوينوكال وطرده. ولم تسفر استطلاعات الرأي الهادفة إلى إزالة مبدأ العلمانية من الدستور وإعلان أن "الإسلام دين الدولة" عن أي نتائج.

أشار فكرت بيلا إلى أنّ جهود حكومة أردوغان لتأسيس هيمنة اقتصادية وسياسية على الجغرافيا العثمانية السابقة والشرق الأوسط وشمال إفريقيا، من خلال تجاهل لوزان تقريبًا، وهي حدود أخرى فرضتها الحكومة، لم تؤت أكلها. وكان مفهوماً أن العالم لم يكن العالم في العهد العثماني. اتحدت السعودية ومصر والدول العربية في مواجهة تركيا. وظلت لوزان، التي لم تعجبها، في أيدي الحكومة.

وشدّد كذلك أنّ جهود جلب الإخوان المسلمين إلى السلطة في سوريا ودول أخرى في الشرق الأوسط وأفريقيا فشلت، وأنّه بصرف النظر عن وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة في الصراع السوري، الذي دخلت فيه تركيا لهذا الغرض، فقد واجهت مشكلة حزب العمال الكردستاني، بدعم وحماية الولايات المتحدة من خلال وحدات حماية الشعب. وفضلت التعاون مع الإسلاميين السياسيين الراديكاليين ضد دمشق، بدلاً من التعاون مع دمشق ضد منظمة حزب العمال الكردستاني، التي اعتبرها مشكلة وجودية. وقال إنّ الحكومة وصلت إلى الحد الأقصى في هذه السياسة أيضًا ولم تحصل على نتائج.

أما بالنسبة لاتفاقية مونترو، فقال فكرت بيلا إنّ الأدميرالات المتقاعدين الذين أدلوا ببيان مشترك، تقاسموا مع الجمهور المشاكل الناجمة عن مناقشة مونترو وقلقهم بشأن ظهور أدميرال يرتدي رداء عبادة وعمامة فوق زيه العسكري، لم يكونوا إرهابيين، وإنّه تم على الفور اعتقال 10 من الأدميرالات المتقاعدين الذين وقعوا على هذا البيان. وفتح تحقيق في نداء الانقلاب ضدهم.

ويشار إلى أن اعتقال هؤلاء الأدميرالات المتقاعدين، الذين وقفوا ضد الولايات المتحدة التي أرادت تغيير مونترو، جاء في فترة أعلنت فيها واشنطن أنها تريد إبقاء قواتها في البحر الأسود وتفجير سفينتين، لكن بعد بيان الأدميرالات المتقاعدين، قال الرئيس أردوغان: "إن تركيا ملتزمة بمونترو، حتى تجد عقدًا أفضل يتم الالتزام به". كما أعلن أنهم لا يوافقون على الأدميرال بالرداء والعمامة في إعلان الأدميرالات المتقاعدين، وأن وزارة الدفاع ستفعل ما هو ضروري. لذلك، تزامنت تقييمات الرئيس أردوغان مع تقييمات الأدميرالات المتقاعدين. كما كشفت استطلاعات الرأي حول هاتين المسألتين أن غالبية الجمهور عبرت عن آرائها في نفس الاتجاه من خلال هذه التقييمات. ولم تستطع الحكومة الإصرار على خطاب من شأنه أن يغير الحدود في هذه القضية.

وقال الكاتب في ختام مقاله إنّه ظهر مرة أخرى أنه من الممكن أن تحافظ أنقرة على حيادها والقضاء على خطر الانجرار إلى صراع ساخن في البحر الأسود بفضل مونترو، وأنّ معاهدة لوزان واتفاقية مونترو ليسا من الأوراق المحروقة والمنتهية الصلاحية التي يتم إلقاؤها في القمامة، ويجب التأكيد على ذلك كلّ مرة.

عن "أحوال" تركية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية