أحداث السودان الأخيرة.. هل هي محاولة إخوانية لإجهاض الثورة؟

السودان

أحداث السودان الأخيرة.. هل هي محاولة إخوانية لإجهاض الثورة؟


19/01/2020

في آب (أغسطس) 2019، صرخ النقيب أحمد، من هيئة العمليات المحلولة التابعة لجهاز الأمن والمخابرات بصيغته القديمة، بصوتٍ عالٍ "حقنا بس" – أي "حقوقنا فقط"، فيما كان يُردّد زملاؤه ذات العبارة خلفه، وهم في حالة هياج وتشنج شديدين، مما أعطى إشارات مُبكرة تنطوي على سوء نيّة ورغبة في الانتقام.

في  تموز 2019 صدر قرار بحل هيئة العمليات التي تضم 12 ألف جندي وتجريدها من السلاح

قبل تلك الاحتجاجات التي نظمها جنود وضباط هيئة العمليات، بشهر؛ أي في تموز (يوليو) 2019، كان صدر مرسوم حكومي بتغيير اسم جهاز الأمن والمخابرات الوطني، إلى "جهاز المخابرات العامة" وحصر وظيفته في جمع المعلومات وتحليلها وتقديمها للجهات ذات الصلة، مع حل الهيئة التي يبلغ قوامها حوالي 12 ألف جندي، وتجريدها من السلاح، ووضع منسوبيها أمام أربعة خيارات، تنحصر في الآتي: أن يستمروا في عملهم ضمن الترتيبات الجديدة، أو ينضموا إلى القوات المسلّحة أو وحدات الدعم السريع، أو تُنهى خدمتهم ويُسرّحوا ويمنحوا استحقاقات إنهاء الخدمة، إلاّ أنّ الأمور لم تمض إلى الأمام؛ حيثُ رفض منسوبو الهيئة تسليم أسلحتهم، كما رفضوا مؤخراً استلام المقابل المالي نظير إنهاء خدماتهم، بحجة أنّه قليل ولا يتناسب مع ما قدموه من "خدمات جليلة للوطن والمواطن"! 
خلو الشوارع من المارة وانتشار القوات الأمنية جنوب مطار الخرطوم

الخرطوم تحت رصاص الإخوان
يوم الثلاثاء، 14 كانون الثاني (يناير) الجاري، وبشكلٍ مفاجئ، كانت أجزاء من العاصمة السودانية، ترزح وبشكل عشوائي ومستمر تحت زخات الرصاص، خاصة في ضاحيتي كافوري والرياض؛ حيث المقرات الرئيسة لهيئة العمليات التي يعرف عن منسوبيها موالاتهم للفريق أول صلاح عبدالله (قوش) رئيس جهاز الأمن والمخابرات السابق وأحد قادة جماعة الإخوان المسلمين. 

اقرأ أيضاً: النيابة السودانية تحقق مع الصندوق الأسود لتنظيم الإخوان
عمّت حالة من الفزع والفوضى بين سكان الخرطوم، فيما اسْتُنفرت القوات المسلحة وقوات الدعم السريع لاحتواء الموقف ووضع حد للتمرد، وحوصرت مقرات هيئة العمليات لساعات أغلق إثرها المطار كإجراء احترازي، فيما شرع -في الأثناء- مدير جهاز المخابرات العامة الفريق أبوبكر دمبلاب في محاولات مستميتة للحوار مع المتمردين، لم تفضِ إلى شيء، فاضُطرت القوات الأمنيِّة إلى اقتحام المقرات وتحريرها بالقوة؛ حيثُ أفاد البيان الصادر عن الجيش السوداني أنّ عملية إنهاء التمرد، أسفرت عن مقتل جنديين وجرح 4 آخرين، ومدنيين اثنين.  
انتشار الآليات العسكرية في شوارع الخرطوم عقب إنهاء التمرد

قوش وهيئته
في الواقع لم يكن التمرد محصوراً بمقرَّي هيئة العمليات بضاحيتي كافوري والرياض، بل امتد إلى أكثر من مكان داخل العاصمة، خاصة ضاحيتي سوبا وكرري، وخارج العاصمة في مدينة الأبيض وسط السودان، كما استولى المتمردون مؤقتاً على حقول للنفط ووضعوا الموظفين رهائن، قبل أن تتم السيطرة على الموقف واستعادة الحقول وتحرير الموظفين.

اقرأ أيضاً: الجيش السوداني يقضي على تمرّد المخابرات..
من جهته، كان نائب رئيس مجلس السيادة وقائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو الشهير بـ(حميدتي)، قد وجّه، في مؤتمر صحفي، اتهاماً مباشراً إلى رئيس جهاز الأمن والمخابرات السابق، صلاح قوش المتواري عن الأنظار خارج البلاد، بالوقوف خلف التمرد، مطالباً بالقبض عليه عن طريق الأنتربول، كما اتهم رئيس جهاز المخابرات العامة الفريق أبوبكر دمبلاب بالتقصير وعدم القدرة على حسم انفلاتات أفراد الجهاز الذي يديره، بحسب تعبيره. 
يعتقد حميدتي، أنّ "قوش وهيئة العمليات يتحملان وزر الأحداث الأخيرة، وأنّ المسيرات التي تنظمها فلول جماعة الإخوان المسلمين والمسماة بمسيرات الزحف الأخضر، ما هي إلاّ جزء من مخطط كبير، تدبره وتديره قيادات في جهاز الأمن، متقاعدين وعلى رأس الخدمة".

رزحت أجزاء من العاصمة السودانية خاصة ضاحيتي كافوري والرياض وبشكل عشوائي ومستمر تحت زخات رصاص هيئة العمليات

إلاّ أنّ الخبير الأمني عبد الله آدم اسحق، ألقى باللائمة على حميدتي نفسه، بصفته نائباً أول لرئيس مجلس السيادة وقائداً لقوات الدعم السريع التي تعتبر القوة الضاربة بين الوحدات المسلحة السودانية، بل ولربما تفوق القوات المسلحة نفسها، وأضاف في حديثه مع (حفريات): ما كان يجب على المُكوّن العسكري في مجلس السيادة السوداني الذي يرأسه الفريق أول عبد الفتاح البرهان أن يتقاعس في نزع السلاح عن جماعة الإخوان المسلمين، وهذا هو التوصيف الصحيح لهيئة العمليات المحلولة، والتي أسسها مدير أمن الجماعة صلاح قوش، وتم تسليحها بشكل يضاهي القوات المسلحة ولربما الدعم السريع نفسها.
متابعاً أنّ "تأخر رئيس جهاز المخابرات الحالي الفريق أبوبكر دمبلاب في نزع السلاح عن الهيئة، يثير الكثير من الأسئلة، خاصة وأنّ الرجل الذي دفع باستقالته عقب أحداث الثلاثاء كان نائباً لصلاح قوش وموالياً لجماعة الإخوان المسلمين، فما الذي يجعل البرهان وحميدتي يحتفظان به رئيساً لجهاز المخابرات ولا يتوقعان تآمره مع جماعته ورئيسه السابق"؟
كلها أسئلة واجبة الإجابة، يستطرد إسحق؛ "ليست  الأحداث الأخيرة فحسب، بل إنّ كل المؤشرات تؤكد أنّ الصراعات الإثنية التي حدثت بميناء بورتسودان الحيوي بشرق السودان ومدينة الجنينة أقصى غرب السودان، كانت تُدبر وتُحاك من قبل الإخوان المسلمين عملاً بسياسة الشد من الأطراف لإضعاف المركز توطئة للإجهاز على الثورة وضرب التحول الديمقراطي، ومع ذلك ظلّ التعامل مع هؤلاء بطيئاً ويكتنفه الكثير من التقاعس واللامبالاة، فكان تمرد الثلاثاء نتيجة طبيعية لذلك".

انقلاب فاشل
من جانبه، يرى المحلل السياسي عاطف إبراهيم، أنّ "تمرد قوات هيئة العمليات المحلولة، لم يكن كما يبدو ظاهريِّاً من أجل المطالبة بحقوق ما بعد الخدمة، فهذه الحقوق التقاعدِّية معروفة (للعسكريين والمدنيين) على حد سواء، ولا تحتاج لتفاوض، فكل الضباط والجنود في القوات المسلحة والشرطة والأمن، والموظفون في القطاعين؛ العام والخاص منصوص على حقوقهم التقاعدية بموجب قوانين العمل والتقاعد، فكيف يتفاوضون حول ما هو محدد قانوناً؟ لذلك فإنّ ما حدث الثلاثاء، لم يكن محض مطالبات ماليِّة، بل كان تمرداً على السلطة وانقلاباً على التحول الديمقراطي ومحاولة فاشلة لإجهاض الثورة".

عاطف إبراهيم: ما حدث لم يكن محض مطالبات ماليِّة بل انقلاب على التحول الديمقراطي ومحاولة لإجهاض الثورة

واتفق إبراهيم، في معرض حديثه لـ(حفريات)، مع ما ذكره نائب رئيس مجلس السيادة، واتهامه لصلاح قوش بقيادة المحاولة الانقلابية الفاشلة – على حد قوله – مضيفاً: حميدتي يمتلك معلومات كافية وتفضيلية، بحكم موقعه الحالي وعلاقته السابقة بصلاح قوش حيثُ كانت قوات الدعم السريع التي يقودها، تحت إمرة جهاز الأمن والمخابرات الذي كان يرأسه قوش.
وخلص إبراهيم إلى أنّ كل الدلائل والمؤشرات تؤيد هذا الاتهام، "فصلاح قوش هو صانع هيئة العمليات المتمردة، كما أنّ جل أفراد وضباط الهيئة أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين وموالون لرئيس المخابرات السابق، وهو عضو بالجماعة منذ أن كان طالباً في الثانوية، وما يزال"، ودعا إبراهيم الحكومة بمجلسيها إلى الإسراع بتفكيك نظام الإخوان المسلمين والتعامل مع المحرضين على التمرد وفقاً للقوانين السارية، و"إلا فإن التجربة الثورية والديمقراطية برمتها في خطر وشيك".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية